قال الحسن : وإنما سمّاهم منافقين وإن أظهروا الكفر ؛ لأنهم وصفوا بالصّفة التي كانوا عليها من قبل (١).
قوله : (وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ) مبتدأ وخبر ، وفيها وجهان :
أظهرهما : أنها حال : إمّا من المنافقين ـ وهو الظّاهر ـ ، وإمّا من المخاطبين ، والرابط الواو ، كأنه أنكر عليهم اختلافهم في هؤلاء ، والحال أنّ الله قد ردّهم إلى الكفر.
والثاني : أنها مستأنفة أخبر ـ تعالى ـ عنهم بذلك. و (بِما كَسَبُوا) متعلّق ب «أركسهم» ، والباء سببيّة ، أي : بسبب كسبهم ، و «ما» مصدريّة أو بمعنى الّذي ، والعائد محذوف على الثّاني ، لا على الأوّل على الصّحيح.
والإركاس : الردّ والرّجع ، ومنه الرّكس ، قال ـ عليهالسلام ـ في الرّوثة لمّا أتي بها : «إنها ركس». وقال أميّة بن أبي الصّلت : [البسيط]
١٨٥٦ ـ فأركسوا في جحيم النّار إنّهم |
|
كانوا عصاة وقالوا الإفك والزّورا (٢) |
أي : ردّوا ، وقال الرّاغب : «الرّكس والنّكس : الرّذل ، إلا أنّ الرّكس أبلغ ؛ لأن النّكس : ما جعل أعلاه أسفله ، والرّكس : ما صار رجيعا بعد أن كان طعاما».
وقال النّضر بن شميل والكسائي : الرّكس والنّكس : قلب الشّيء على رأسه ، أو ردّ أوّله على آخره ، والمركوس والمنكوس واحد.
وقيل : أركسه أوبقه ، قال : [المتقارب]
١٨٥٧ ـ بشؤمك أركستني في الخنا |
|
وأرميتني بضروب العنا (٣) |
وقيل : الإركاس : الإضلال ، ومنه : [المتقارب]
١٨٥٨ ـ وأركستني عن طريق الهدى |
|
وصيّرتني مثلا للعدى (٤) |
وقيل : هو التنكيس ، ومنه : [الرمل]
١٨٥٩ ـ ركّسوا في فتنة مظلمة |
|
كسواد اللّيل يتلوها فتن (٥) |
وارتكس فلان في أمر كان ، أي : نجا منه والرّكوسيّة : قوم بين النّصارى والصّابئين ، والرّاكس : الثّور وسط البيدر (٦) والثيران حواليه وقت الدياس.
__________________
(١) ذكره الفخر الرازي في «التفسير الكبير» (١٠ / ١٧٤) عن الحسن.
(٢) ينظر البيت في ديوانه (٢٣٦) والبحر المحيط ٣ / ٣٢٤ والدر المصون ٢ / ٤٠٧ وتفسير الطبري ٩ / ٧.
(٣) ينظر البيت في البحر المحيط ٣ / ٣٢٤ والدر المصون ٢ / ٤٠٧.
(٤) ينظر البيت في البحر المحيط ٣ / ٣٢٥ والدر المصون ٢ / ٤٠٨.
(٥) البيت لعبد الله بن رواحة : ينظر البحر ٣ / ٣٢٥ والدر المصون ٢ / ٤٠٨ وتفسير القرطبي ٥ / ٣٠٧.
(٦) في ب : الدور.