قوله ـ تعالى ـ : (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا) الآية.
يجوز في «لو» وجهان :
أحدهما : أن تكون مصدريّة.
والثاني : أنها على بابها من كونها حرفا لما كان سيقع لوقوع غيره.
فعلى الأوّل : تتقدّر مع ما بعدها بمصدر ، وذلك المصدر في محل المفعول ل «ودوا» وحينئذ فلا جواب لها ، والتقدير : ودّوا كفركم.
وعلى الثاني : يكون مفعول «ودّ» محذوفا ، وجواب «لو» أيضا محذوف ؛ لدلالة المعنى عليهما ، والتقدير : ودّوا كفركم ، لو تكفرون كما كفروا لسرّوا بذلك.
و (كَما كَفَرُوا) : نعت لمصدر محذوف ، تقديره : كفرا مثل كفرهم ، أو حال من ضمير ذلك المصدر كما هو مذهب سيبويه (١).
و «فتكونوا» : عطف على «تكفرون» والتقدير : ودّوا كفركم ، وكونكم مستوين معهم في شرعهم ؛ كقوله : (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) [القلم : ٩] ، أي : ودّوا لو تدهنون ، والفاء عاطفة.
قال الزّمخشريّ (٢) : «ولو نصب على جواب التّمنّي ؛ لجاز» قال أبو حيّان (٣) : فيه نظر : من حيث إن النّصب في جواب التّمنّي إذا كان التّمنّي بلفظ الفعل ، يحتاج إلى سماع من العرب ، بل لو جاء ، لم تتحقّق فيه الجوابية ؛ لأنّ «ودّ» التي بمعنى التمني ، متعلّقها المصادر لا الذّوات ، فإذا نصب الفعل بعد الفاء ، لم يتعيّن أن تكون فاء جواب ؛ لاحتمال أن يكون من باب عطف المصدر المقدّر على المصدر الملفوظ به ، فيكون من باب : [الوافر]
١٨٦٠ ـ للبس عباءة وتقرّ عيني |
|
.............. (٤) |
يعني : كأنّ المصدر المفعول ب «يود» ملفوظ به ، والمصدر المقدّر ب «أن» والفعل ، وإلّا فالمصدر المحذوف ليس ملفوظا به ، إلا بهذا التّأويل المذكور ، بل المنقول أنّ الفعل ينتصب على جواب التّمنّي ، إذا كان بالحرف ، نحو : «ليت» ، و «لو» ، و «ألا» إذا أشربتا معنى التّمنّي.
وفيما قاله أبو حيّان نظر ؛ لأن الزّمخشريّ لم يعن ب «التمني» المفهوم من فعل الودادة ، بل المفهوم من لفظ «لو» المشعرة بالتمني ، وقد جاء النّصب في جوابها ؛ كقوله : (فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ) [الشعراء : ١٠٢] ، وقد قدّمت تحقيق هذه المسألة ، فظهر قول
__________________
(١) ينظر : الكتاب ١ / ١١٦.
(٢) ينظر : الكشاف ١ / ٥٤٦.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٣٢٧.
(٤) تقدم برقم ٧٦٢.