إليه ، وقيل : ما كان له في شيء من الأزمنة ذلك ، والمقصود : بيان أنّ حرمة القتل كانت ثابتة من أوّل زمان التّكليف.
وقوله : «إلا خطأ» فعلى القول بأنّه متّصل ؛ ذكروا وجوها :
أحدها : أن هذا الاستثناء معناه : أن الإنسان يؤاخذ على القتل ، إلا إذا كان القتل قتل خطأ ، فإنّه لا يؤاخذ به.
وثانيها : أنه استثناء صحيح على ظاهر اللّفظ ، والمعنى : ليس لمؤمن أن يقتل مؤمنا ألبتّة إلا عند الخطأ ، وهو ما إذا رأى عليه شعار الكفّار ، أو وجده في عسكرهم فظنه مشركا. فحينئذ يجوز قتله.
ثالثها : أن في الكلام تقديما وتأخيرا ، والتقدير : وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ؛ كقوله ـ [تعالى](١) ـ : (ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ) [مريم : ٣٥] أي : وما كان الله ليتّخذ من ولد ؛ لأنّه ـ تعالى ـ لا يحرّم عليه شيء ، إنّما ينفى عنه ما لا يليق به.
قال القرطبي (٢) : قوله : (وَما كانَ) ليس على النّفي ، وإنّما هو على التّحريم والنّهي ؛ كقوله: (وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ) [الأحزاب : ٥٣] ولو كانت على النّفي ، لما وجد مؤمن قتل مؤمنا [قط](٣) ؛ لأن ما نفاه الله لا يجوز وجوده ؛ كقوله (ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها) [النمل : ٦٠] ، معناه : ما كنتم لتنبتوا ؛ لأنه ـ تعالى ـ لم يحرّم عليهم أن ينبتوا الشجر ، إنما نفى عنهم أن يمكنهم إنباتها ، فإنه ـ تعالى ـ هو القادر على إنبات الشّجر.
ورابعها : أن وجه الإشكال (٤) في اتّصال هذا الاستثناء أن يقال : الاستثناء من النّفي إثبات ، وهذا يقتضي الإطلاق في قتل المؤمن في بعض الأحوال ، وذلك محال ؛ لأن ذلك الإشكال إنّما يلزم إذا سلّمنا أنّ الاستثناء من النّفي إثبات ، وذلك مختلف فيه بين الأصوليّين ، والصّحيح أنّه لا يقتضيه ؛ لأن الاستثناء يقتضي نفي الحكم عن المستثنى ، لا صرف المحكوم به عنه ، وإذا كان تأثير الاستثناء في صرف الحكم فقط ، بقي المستثنى غير محكوم عليه ، لا بالنّفي ولا بالإثبات ، وحينئذ يندفع الإشكال ، وممّا يدلّ على أنّ الاستثناء في المنفيّ ليس بإثبات ، قوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «لا صلاة إلّا بطهور (٥) ولا نكاح إلّا بوليّ» ويقال : لا ملك إلا بالرّجال ، ولا رجال إلّا بالمال ، والاستثناء في هذه الصور لا يفيد أن يكون الحكم المستثنى من النّفي إثباتا.
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) ينظر : تفسير القرطبي ٥ / ٢٠١.
(٣) سقط في ب.
(٤) في ب : الإمكان.
(٥) أخرجه بهذا اللفظ ابن عبد البر في «التمهيد» (٨ / ٢١٥).