أما الأوّل : فلأنّ النّحويّين نصّوا على منع قيام «أن» وما بعدها مقام الظّرف ، وأنّ ذلك ما تختصّ به «ما» المصدريّة ، لو قلت : «آتيك أن يصيح الدّيك» أي : وقت صياحه ، لم يجز (١).
وأما الثّاني : فنصّ سيبويه على منعه أيضا ، قال في قول العرب : «أنت الرّجل أن تنازل ، أو أن تخاصم» أي : أنت الرّجل نزالا ومخاصمة : «إنّ انتصاب هذا انتصاب المفعول من أجله ، لأنّ المستقبل لا يكون حالا» ، فكونه منقطعا هو الصّواب.
وقال أبو البقاء (٢) : «وقيل : هو متّصل ، والمعنى : فعليه دية في كلّ حال ، إلا في حال التّصدّق عليه بها».
والجمهور على «يصدقوا» بتشديد الصّاد ، والأصل : يتصدّقوا ، فأدغمت التّاء في الصّاد ، ونقل عن أبيّ هذا الأصل قراءة ، وقرأ أبو عمرو (٣) في رواية عبد الوارث ـ وتعزى للحسن وأبي عبد الرّحمن ـ : «تصدقوا» بتاء الخطاب ، والأصل : تتصدّقوا بتاءين ، فأدغمت الثّانية ، وقرىء (٤) : «تصدقوا» بتاء الخطاب وتخفيف الصّاد ، وهي كالّتي قبلها ، إلا أنّ تخفيف هذه بحذف إحدى التّاءين : الأولى أو الثّانية على خلاف في ذلك ، وتخفيف الأولى بالإدغام.
قوله [ـ تعالى ـ](٥) : (فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) لما ذكر أوّلا أنّ قتل المؤمن خطأ [فيه](٦) تحرير رقبة ، وتسليم الدّية ، ذكر هنا أنّ من قتل خطأ من قوم عدوّ لنا فعليه تحرير الرقبة ، وسكت عن الدّية ، ثم ذكر بعده إن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق ، وجبت الدّية ، فالسّكوت (٧) عن إيجاب الدّية هنا وإيجابها فيما [قبل هذه الآية](٨) وفيما بعد يدلّ على أنّ الدّية غير واجبة في هذه
__________________
(١) قد ينوب عن الظرف مصدر ، إذا كان الظرف مضافا إليه فحذف ، ولا بد من كونه معينا لوقت أو مقدار ، وهو كثير في ظرف الزمان ، نحو : جئتك صلاة العصر ، أو قدوم الحاج ، وانتظرتك حلب ناقة ، قليل في المكان ، نحو : جلست قرب زيد أي : مكان قربه ، وقد يجعل المصدر ظرفا دون تقدير مضاف ؛ كقولهم : أحقا إنك ذاهب ، أي : في حق.
وقد يكون النائب اسم غير نحو : لا أكلمه القارظين.
والأصل : مدة غيبة القارظين.
ولا ينوب في ذلك المصدر المؤول ، وهو أن والفعل إذا قدر ب «في» خلافا للزمخشري.
انظر همع الهوامع ٣ / ١٧٠.
(٢) ينظر : الإملاء ١ / ١٩٠.
(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٩٣ ، والبحر المحيط ٣ / ٣٣٧ ، والدر المصون ٢ / ٤١٤.
(٤) وهي قراءة نبيح العنزي كما في المحرر ٢ / ٩٣ ، وينظر : البحر ٣ / ٤٤٧ ، والدرر ٢ / ٤١٤.
(٥) سقط في أ.
(٦) سقط في أ.
(٧) في أ : فأنكرت.
(٨) سقط في أ.