وذكر الواحدي : أن الأصحاب سلكوا في الجواب عن هذه الآية طرقا كثيرة ، قال : وأنا لا أرتضي شيئا منها ؛ لأنّ الذي ذكروا إما تخصيص ، وإما معارضة ، وإما إضمار ، واللّفظ لا يدلّ على شيء من ذلك ، قال : والّذي اعتمدوه وجهان :
الأول (١) : إجماع المفسّرين على أن الآية نزلت في كافر قتل مؤمنا ، ثم ذكر تلك القصّة.
والثاني : أن قوله : (فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ) معناه الاستقبال ، والتقدير : إنه سيجزى بجهنم ، وهذا وعيد ، قال : وخلف الوعيد كرم.
قال ابن الخطيب : والوجه الأوّل ضعيف ؛ لأن العبرة بعموم اللّفظ لا بخصوص السّبب ، وأيضا ثبت في أصول الفقه ؛ أن [ترتيب](٢) الحكم على الوصف المناسب ، يدلّ على كون ذلك الحكم (٣) علّة لذلك ؛ كقوله : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) [المائدة : ٣٨] ، و (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما) [النور : ٢] ، دلّ ذلك على أن الموجب لقطع السّارق هو السّرقة ، وجلد الزّاني هو الزّنى ، فكذا ههنا يدلّ على أن الموجب لهذا الوعيد هو القتل العمد ؛ لأنه (٤) الوصف المناسب للحكم ، وإذا كان كذلك ، لم يبق لكون الآية مخصوصة بالكافر وجه ، وأيضا فإنه لا يخلو إمّا أن يكون الموجب لهذا الوعيد هو الكفر دون القتل العمد ، وإن كان الموجب هو الكفر ، وكان الكفر حاصلا قبل هذا القتل ، فحينئذ لا يكون للقتل أثرا ألبتّة في هذا الوعيد ، ويكون هذا الكلام جاريا مجرى قوله من [يتعمد قتل](٥) نفس فجزاؤه جهنم خالدا فيها ؛ لأن القتل العمد ما لم يكن له أثر في الوعيد ، جرى مجرى النّفس ، وسائر الأمور التي لا تأثير لها في هذا الوعيد ، وذلك باطل ، وإن كان الموجب لهذا الوعيد [كونه](٦) قتلا عمدا ، فلزم أن يقال : أينما (٧) حصل القتل العمد ، حصل (٨) هذا الوعيد ؛ فثبت (٩) أن هذا الوجه الذي ارتضاه الواحديّ ليس بشيء.
__________________
ـ مناقب الأنصار : باب وفود الأنصار (٣٨٩٢ ، ٣٨٩٣) وكتاب المغازي حديث (٣٩٩٩) وفي (٨ / ٥٠٦) كتاب التفسير : باب إذا جاءك المؤمنات (٤٨٩٤) وفي (١٢ / ٨٥) كتاب الحدود : باب الحدود كفارة (٦٧٨٤) وفي (١٢ / ١٩٩) كتاب الديات باب قوله تعالى : وَمَنْ أَحْياها ... (٦٨٧٣) وفي (١٣ / ٧) كتاب الفتن : باب قوله صلىاللهعليهوسلم «سترون بعدي أمورا» ... (٧٠٥٥) وفي (١٣ / ٤٥٥) كتاب التوحيد : باب في المشيئة والإرادة (٧٤٦٨) ومسلم (٣ / ١٣٣) كتاب الحدود : باب الحدود كفارة لأهلها (٤١ / ١٧٠٩) من حديث عبادة بن الصامت.
(١) في أ : أحدهما.
(٢) سقط في أ.
(٣) في ب : الوصف.
(٤) في ب : لأن.
(٥) سقط في أ.
(٦) سقط في أ.
(٧) في ب : لما.
(٨) في أ : مثل.
(٩) في أ : فبان.