قال القرطبي : تقول العرب : ضربت في الأرض ، إذا سرت لتجارة أو غزو أو غيره مقترنة بفي ، وتقول : ضربت الأرض دون «في» ، إذا قصدت قضاء حاجة الإنسان ؛ ومنه قوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «لا يخرج الرّجلان يضربان الغائط يتحدّثان ، كاشفين عن فرجيهما ، فإن الله يمقت على ذلك» (١) وفي «إذا» معنى الشّرط ، فلذلك دخلت الفاء في قوله : «فتبينوا» وقد يجازى بها ؛ كقوله : [الكامل]
١٨٦٥أ ـ ............ |
|
وإذا تصبك خصاصة فتجمّل (٢) |
والجيّد ألا يجازى بها لقول الشّاعر : [الكامل]
١٨٦٥ ب ـ والنّفس راغبة إذا رغّبتها |
|
وإذا تردّ إلى قليل تقنع (٣) |
قوله : «فتبينوا» : قرأ (٤) الأخوان من التّثبّت ، والباقون من البيان ، قيل : هما متقاربان ؛ لأن من تثبت في الشّيء تبيّنه ، قاله أبو عبيد ، وصحّحه ابن عطيّة.
وقال الفارسيّ : «التثبّت هو خلاف الإقدام والمراد التّأنّي ، والتّثبّت أشد اختصاصا بهذا الموضع ؛ يدل عليه قوله : (وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً) [النساء : ٦٦] أي : أشدّ وقعا لهم عمّا وعظوا به بألّا يقدموا عليه» فاختار قراءة الأخوين.
وعكس قوم فرجّحوا قراءة الجماعة ، قالوا : لأن المتثبّت قد لا يتبيّن ، وقال الرّاغب : لأنه قلّ ما يكون إلا بعد تثبّت ، وقد يكون التّثبّت ولا تبيّن ، وقد قوبل بالعجلة في قوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «التبيّن من الله والعجلة من الشيطان». وهذا يقوّي قراءة الأخوين أيضا ، و «تفعّل» في كلتا القراءتين بمعنى استفعل الدال على الطّلب ، أي : اطلبو التثبّت أو البيان.
وقوله : (لِمَنْ أَلْقى) اللام للتّبليغ هنا ، و «من» موصولة أو موصوفة ، و «ألقى» هنا ماضي اللّفظ ، إلا أنه بمعنى المستقبل ، أي : لمن يلقي ؛ لأنّ النهي لا يكون عمّا وقع وانقضى ، والماضي إذا وقع صلة صلح للمضيّ والاستقبال.
وقرأ (٥) نافع وابن عامر وحمزة : «السّلم» بفتح السّين واللام من غير ألف ، وباقي
__________________
(١) أخرجه أبو داود (١ / ٤ ـ ٥) كتاب الطهارة ، باب كراهة الكلام على الحاجة (١٥) وابن ماجه (١ / ١٢٣) كتاب الطهارة : باب النهي عن الاجتماع على الخلاء حديث (٣٤٢) من حديث أبي سعيد.
(٢) تقدم.
(٣) البيت لأبي ذؤيب الهذلي ينظر الدرر ٣ / ١٠٢ ، وشرح اختيارات المفضل ص ١٦٩٣ ، وشرح أشعار الهذليين ١ / ٧ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٢٦٢ ، ومغني اللبيب ١ / ٩٣ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٠٦ ، والقرطبي ٥ / ٢١٧.
(٤) ينظر : السبعة ٢٣٦ ، والحجة ٣ / ١٧٣ ، وحجة القراءات ٢٠٩ ، والعنوان ٨٥ ، وإعراب القراءات ١ / ١٣٦ ، وشرح شعلة ٣٤٢ ، وشرح الطيبة ٤ / ٢١١ ، وإتحاف ١ / ٥١٨.
(٥) ينظر : السبعة ٢٣٦ ، والحجة ٣ / ١٧٥ ، ١٧٦ ، وحجة القراءات ٢٠٩ ، والعنوان ٨٥ ، وإعراب ـ ـ القراءات ١ / ١٣٦ ، ١٣٧ ، وشرح شعلة ٣٤٣ ، وشرح الطيبة ٤ / ٢١٣ ، وإتحاف ١ / ٥١٨.