الحقّ لم يجىء بعد وسيجيء بعد ذلك ؛ بل لا بد بأن يعترف (١) بأنّ الّذي كان عليه باطل ، وأن الدّين الموجود بين المسلمين هو الحقّ والفرض.
قال أبو عبيدة (٢) جميع (٣) متاع الدّنيا عرض بفتح الرّاء ، يقال : إن الدّنيا عرض حاضر يأخذ منها البرّ والفاجر ، والعرض بسكون الرّاء ما سوى الدّراهم والدّنانير (٤) ، وإنما سمي متاع الدّنيا عرضا ؛ لأنه عارض زائل باق ، ومنه سمّى المتكلّمون ما خالف الجوهر من الحوادث عرضا ؛ لقلة لبثه.
قوله ـ تعالى ـ : (فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ) يعني : ثوابا كثيرا ، وقيل : مغانم كثيرة لمن اتّقى (٥) قتل المؤمن ، والمغانم : جمع مغنم ، وهو يصلح للمصدر والزّمان والمكان ، ثم يطلق على ما يؤخذ من مال العدوّ في الغزو ؛ إطلاقا للمصدر على اسم المفعول ، نحو : «ضرب الأمير».
قوله : «كذلك» هذا خبر ل «كان» قدّم عليها وعلى اسمها ، أي : كنتم من قبل الإسلام مثل من أقدم ولم يتثبّت ، وهذا يقتضي تشبيه هؤلاء المخاطبين بأولئك الّذين ألقوا السّلم ، وليس فيه بيان للمشبّه فيما إذا قيل : المراد أنكم أوّل ما دخلتم في الإسلام ، فبمجرّد ما سمعت من أفواهكم كلمة الشّهادة ، حقنت دماؤكم وأموالكم من غير توقيف ذلك على حصول العلم بأن قلبكم موافق لما في ضمائركم (٦) فعليكم بأن تفعلوا بالدّاخلين في الإسلام كما فعل بكم ، وأن تعتبروا ظاهر القول ، وألّا تقولوا إن إقدامهم على الإسلام (٧) لأجل الخوف من السّيف ، هذا إخبار (٨) أكثر المفسّرين ، وفيه إشكال ؛ لأن لهم أن يقولوا : ما كان إيماننا مثل إيمان هؤلاء ؛ لأنا آمنّا عن الطواعية والاختيار ، وهؤلاء أظهروا الإيمان تحت ظلال السّيوف ، فكيف يمكن تشبيه أحدهما بالآخر!.
قال سعيد بن جبير : المراد أنكم كنتم تكتمون (٩) إيمانكم عن قومكم ؛ كما أخفى هذا الدّاعي إيمانه عن قومه (١٠) ، ثم منّ الله عليكم بإعزازكم حتى أظهرتم دينكم ، فأنتم عاملوهم بمثل هذه المعاملة ، وهذا أيضا فيه إشكال ؛ لأن إخفاء الإيمان ما كان عامّا فيهم.
قال مقاتل : المراد كذلك كنتم من قبل الهجرة حين كنتم فيما بين الكفّار ، تأمنون
__________________
(١) في ب : يعرف.
(٢) في ب : أبو عبيد.
(٣) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ٥.
(٤) في ب : الدنانير والدراهم.
(٥) في أ : ألقى.
(٦) في أ : لسانكم.
(٧) في أ : التكلم بهذه الكلمة.
(٨) في أ : هو.
(٩) في أ : تخفون.
(١٠) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٩ / ٨٣) عن سعيد بن جبير وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٣٥٩) وزاد نسبته لابن أبي شيبة وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.