نعم ، فخرج نعيم ، حتى أتى المدينة ، فوجد المسلمين يتجهّزون لميعاد أبي سفيان ، فقال : أين تريدون؟ فقالوا : واعدنا أبو سفيان لموسم بدر الصّغرى أن نقتتل بها ، فقال : بئس الذي رأيتم ، أتوكم في دياركم وقراركم ، فلم يفلت منكم إلا الشريد ، أفتريدون أن تخرجوا إليهم؟ فإن ذهبتم إليهم لم يرجع منكم أحد ، وقد جمعوا لكم عند الموسم.
فوقع هذا الكلام في قلوب بعضهم ، فلما عرف رسول الله صلىاللهعليهوسلم ذلك قال : «والذي نفس محمد بيده لأخرجنّ إليهم ولو وحدي». فأما الجبان فإنه رجع ، وأما الشّجاع فإنه تأهّب للقتال ، وقالوا : (حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ). ثم خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم ومعه نحو سبعين رجلا ـ فيهم ابن مسعود حتى وافوا بدر الصغرى ـ وهي ماء لبني كنانة ، وكانت موضع سوق لهم ، يجتمعون فيه كل عام ثمانية أيام ـ ولم يلق رسول الله ـ وأصحابه أحدا من المشركين ووافقوا السوق ، وكانت معهم نفقات وتجارات ، فباعوا واشتروا أدما وزبيبا ، وأصابوا بالدرهم درهمين ، وانصرفوا إلى المدينة سالمين غانمين. ورجع أبو سفيان إلى مكة ، وسمّى أهل مكة جيشه جيش السويق ، وقالوا : إنما خرجتم لتشربوا السويق. هذا سبب نزول الآية(١).
والمراد ب «الناس» نعيم بن مسعود ـ في قول مجاهد وعكرمة ـ فهو من العامّ الذي أريد به الخاصّ ، كقوله تعالى : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ) [النساء : ٤] يعني محمدا وحده ، وإنما جاز إطلاق لفظ «الناس» على الواحد ؛ لأن الإنسان الواحد إذا كان له أتباع يقولون مثل قوله ، أو يرضون بقوله فإنه يحسن ـ حينئذ ـ إضافة ذلك الفعل إلى الكل ، قال تعالى : (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها) [البقرة : ٣٧] وقال : (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) [البقرة : ٥٥] وهم لم يفعلوا ذلك ، وإنما فعله أسلافهم ، إلا أنهم لما تابعوهم وصوّبوا فعلهم ، حسن إضافة ذلك إليهم.
وقال ابن عبّاس ، ومحمد بن إسحاق ، وجماعة : أراد بالنّاس : الرّكب من بني عبد القيس (قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) يعني أبا سفيان وأصحابه (٢).
وقال السّدّيّ : هم المنافقون ، قالوا للمسلمين ـ حين تجهزوا للمسير إلى بدر لميعاد أبي سفيان ـ : القوم قد أتوكم في دياركم ، فقتلوا أكثركم ، فإن ذهبتم إليهم لم يبق منكم أحد ، لا سيما وقد جمعوا لكم جمعا عظيما «فاخشوهم» أي : فخافوهم (٣).
قوله : (فَزادَهُمْ إِيماناً) في فاعل «فزادهم» ثلاثة أوجه :
الأول ـ وهو الأظهر ـ : أنه ضمير يعود على المصدر المفهوم من «قال» أي فزادهم
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٤٠٩ ، ٤١٠ ، ٤١١ ، ٤١٢) مفرقا وذكره الفخر الرازي في «التفسير الكبير» (٩ / ٨٠ ـ ٨١).
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٤١٠) عن ابن عباس وذكره الرازي في «التفسير الكبير» (٩ / ٨١).
(٣) ذكره الرازي في «التفسير الكبير» (٩ / ٨١).