التّخصيص بالصّفة لا يدل على نفي الحكم عمّا عداه ، لم يلزم ذلك ، وإن حملناه على الاستثناء ، وقلنأ : [إن](١) الاستثناء من النّفي ليس بإثبات ، لم يلزم أيضا ذلك ، أمّا إذا حملناه على الاستثناء وقلنا : الاستثناء من النّفي إثبات ، لزم القول بالمساواة.
واعلم أن هذه المساواة في حق الأضراء ، عند من يقول بها مشروطة بشرط آخر ذكره الله ـ تعالى ـ في سورة التّوبة ، وهو قوله : (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى) [التوبة : ٩١] إلى قوله : (إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ) [التوبة : ٩١] ، ويدل على المساواة ما تقدّم في حديث غزوة تبوك.
وتقرير ذلك قوله عليه الصلاة والسلام : «إن بالمدينة قوما ما سلكتم واديا إلّا كانوا معكم» (٢) ، وقال عليهالسلام : «إذا مرض العبد قال الله ـ تعالى ـ : اكتبوا لعبدي ما كان يعمله في الصحة إلى أن يبرأ» (٣).
وقال المفسّرون (٤) في قوله ـ تعالى ـ : (ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) [التين : ٥ ، ٦] ؛ أن من صار هرما ، كتب له أجر عمله قبل هرمه غير منقوص ، وقالوا في تفسير قوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ «نيّة المؤمن خير من أجر عمله» : إن المؤمن ينوي الإيمان والعمل الصّالح ، لو عاش لهذا لا يحصّل له ثواب تلك النّيّة أبدا.
قوله ـ تعالى ـ : (فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً) لما بيّن [تعالى](٥) أن المجاهدين والقاعدين لا يستويان ، ثم إن عدم الاستواء يحتمل الزّيادة والنّقصان ، لا جرم بيّنه الله ـ تعالى ـ.
قوله : «درجة» في نصبه أربعة [أوجه :]
أحدها : أنها منصوبة على المصدر ؛ لوقوع «درجة» موقع المرّة من التّفضيل ؛ كأنه قيل : فضّلهم تفضيلة ، نحو : «ضربته سوطا» وفائدة التنكير التّفخيم.
الثاني : أنها حال من «المجاهدين» أي : ذوي درجة.
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) تقدم.
(٣) أخرجه ابن أبي شيبة (٢ / ٢٣٠) عن عطاء مرسلا وللحديث شاهد عن أبي موسى :
أخرجه البخاري (٢ / ٢٤٦) وأبو داود (٣٠٩١) وأحمد (٤ / ٤١٠) والبيهقي (٣ / ٣٧٤) ولفظه : إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل مقيما صحيحا.
وللحديث شاهد آخر عن عبد الله بن عمرو بلفظ ما من أحد من المسلمين يبتلى ببلاء في جسده إلا أمر الله الحفظة الذين يحفظونه : اكتبوا لعبدي مثل ما كان يعمل وهو صحيح ما دام محبوسا في وثاقي.
أخرجه أحمد (٢ / ١٩٤) والحاكم (١ / ٣٤٨).
وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(٤) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ٧.
(٥) سقط في أ.