روي أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم بعث بهذه الآية [إلى](١) مسلمي مكّة ، فقال جندب بن ضمرة لبنيه : احملوني فإني لست من المستضعفين ، ولا أنّي لا أهتدي الطّريق ، والله لا أبيت اللّيلة بمكّة ، فحملوه على سرير متوجّها (٢) [إلى](٣) المدينة ، وكان شيخا كبيرا فمات في الطّريق.
فإن قيل : كيف أدخل الولدان في جملة المستثنين من أهل الوعيد ، فإن الاستثناء إنّما يحسن لو كانوا مستحقّين للوعيد على بعض الوجوه.
قلنا : سقوط الوعيد إذا كان بسبب العجز ، والعجز تارة يحصل بسبب عدم الأهبة ، وتارة [يحصل](٤) بسبب الصّبا ، فلا جرم حسن هذا الاستثناء ، هذا إذا أريد بالولدان الأطفال ، ويجوز أن يراد المراهقون منهم ، الّذين كملت (٥) عقولهم ، فتوجّه التّكليف نحوهم فيما بينهم [وبين الله](٦) ، وإن أريد العبيد والإماء البالغون ، فلا سؤال.
قوله : (فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ) وفيه سؤالان :
أحدهما : أن القوم [لما](٧) كانوا عاجزين عن الهجرة ، والعاجز عن الشّيء غير مكلّف به ، وإذا لم يكن مكلّفا ، لم يكن عليه في تركه عقوبة ، فلم قال : (عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ) والعفو لا يتصوّر (٨) إلّا مع الذّنب ، وأيضا : «عسى» كلمة إطماع ، وهذا يقتضي عدم القطع بحصول العفو.
فالجواب (٩) عن الأول : أن المستضعف قد يكون قادرا على ذلك الشّيء مع ضرب من المشقّة ، وتمييز الضّعف الذي يحصل عنده الرّخصة عند الحدّ الذي لا يحصل عنده الرّخصة شاقّ ، فربما (١٠) ظنّ الإنسان أنّه عاجز عن المهاجرة ، ولا يكون (١١) كذلك ، ولا سيّما في الهجرة عن الوطن ؛ فإنها شاقّة على النّفس ، وبسبب شدّة النّفرة قد يظن الإنسان كونه عاجزا ، مع أنّه لا يكون كذلك ، فلهذا المعنى كانت الحاجة في العفو شديدة في هذا المقام.
السؤال الثاني : ما فائدة ذكر لفظة «عسى» ههنا؟.
فالجواب : لأن فيها دلالة على [أن](١٢) ترك الهجرة أمر مضيّق لا توسعة فيه ، حتى أن المضطر البيّن الاضطرار من حقّه أن يقول : عسى الله أن يعفو عني ، فكيف الحال في غيره ، ذكره الزّمخشري(١٣).
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في ب : وتوجه.
(٣) سقط في ب.
(٤) سقط في أ.
(٥) في ب : حملت.
(٦) سقط في ب.
(٧) سقط في ب.
(٨) في أ : يتقرر.
(٩) في ب : والجواب.
(١٠) في أ : شك فيها.
(١١) في ب : وليس.
(١٢) سقط في ب.
(١٣) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ١٢.