الأوّل : أن يكون في وطنه في راحة ورفاهية فيظن (١) أنه بمفارقته للوطن يقع في الشّدّة وضيق العيش ، فأجاب الله عن ذلك بقوله : (وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً).
قال القرطبي (٢) : قوله : (وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ) شرط ، وجوابه : (يَجِدْ فِي الْأَرْضِ).
واشتقاق المراغم من الرغام (٣) وهو التّراب ؛ يقولون : رغم أنفه ، ويريدون أنه وصل إلى شيء يكرهه ؛ لأن الأنف عضو في غاية العزّة ، والتّراب في غاية الذّلّة ، فجعلوا قولهم : رغم أنفه كناية عن الذّلّ ، إذا عرف هذا ، [فنقول](٤) المشهور (٥) أن هذه المراغمة إنّما حصلت بسبب فراقهم ، وخروجهم عن ديارهم ، وعن ابن عبّاس : «مراغما» [أي](٦) : متحوّلا [يتحوّل إليه](٧)(٨).
وقال مجاهد : متزحزحا عما يكره (٩) ، وقيل : سمّيت المهاجرة مراغمة ؛ لأن من يهاجر يراغم قومه ؛ لأنه لا يجد في ذلك [البلد](١٠) من النّعمة والخير ، ما يكون سببا لرغم أنف أعدائه الّذين كانوا معه في بلدته الأصليّة ، فإنه إذا استقام حاله في تلك البلد الأجنبيّة ، ووصل خبره إلى أهل بلدته ، خجلوا من سوء معاملتهم له ، ورغمت أنوفهم بذلك وهذا أولى الوجوه.
وأمّا المانع الثاني عن الهجرة : فهو أن الإنسان يقول : إن خرجت عن بلدي لطلب هذا الغرض ، فربما وصلت إليه ، وربّما لم أصل إليه ، فالأولى ألّا أضيع الرّفاهية الحاضرة بسبب طلب شيء قد يحصل وقد لا يحصل ، فأجاب الله ـ تعالى ـ عن ذلك بقوله : (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ).
والمراد ب «السّعة» : سعة الرّزق ، وقيل : سعة من الضّلال إلى الهدى.
قوله ـ تعالى ـ : (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) (١١).
روي أنه لما نزلت هذه الآية ، سمعها رجل من بني ليث شيخ كبير مريض يقال له : جندع بن ضمرة ، فقال : والله ما أنا ممّن استثنى الله ـ عزوجل ـ ، وإني لأجد حيلة ،
__________________
(١) في أ : فنظر.
(٢) ينظر : تفسير القرطبي ٥ / ٢٢٣.
(٣) في أ : الرغامة.
(٤) سقط في ب.
(٥) في ب : فالمشهور.
(٦) سقط في ب.
(٧) سقط في ب.
(٨) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٩ / ١١٩) عن ابن عباس والضحاك وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٣٦٨) من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وزاد نسبته لابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٩) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٩ / ١٢٠) عن مجاهد وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٣٦٨) وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(١٠) سقط في ب.
(١١) سقط في أ.