القول الثاني : أن المراد من القصر : التّخفيف في كيفيّة أداء الرّكعات ، وهو أن يكتفى في الصّلاة بالإيماء والإشارة بدل الرّكوع والسّجود ، وأن يجوز المشي في الصّلاة ، وأن تجوز الصلاة عند تلطّخ الثّوب بالدّم (١) وهو الصّلاة حال التحام القتال ، [وهو مرويّ عن ابن عبّاس وطاووس (٢) ، واحتجّوا : بأنّ خوف فتنة العدوّ لا تزول فيما يؤتى بركعتين على تمام أوصافها ، وإنما عيّن ذلك فيما يشتدّ فيه الخوف حال التحام القتال](٣) ، وهذا ضعيف ؛ لأنه يمكن أن يقال : إن المسافر إذا كانت الصّلاة قليلة الرّكعات ، فيمكنه (٤) أن يأتي بها على وجه لا يكون خصمه عالما بكونه مصلّيا أما إذا كثرت الرّكعات ، طالت الصّلاة ، ولا يمكنه أن يأتي بها على حين غفلة مع العدوّ ، وحمل لفظ القصر على إسقاط [بعض](٥) الرّكعات أولى لوجوه :
أحدها : ما روي عن يعلى (٦) بن أميّة أنّه قال : قلت لعمر بن الخطّاب ـ رضي الله عنه ـ : كيف نقصر وقد أمنّا ، وقد قال الله ـ تعالى ـ : (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ) فقال : عجبت ممّا عجبت منه ؛ فسألت الرّسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ فقال : «صدقة تصدّق الله بها عليكم ، فاقبلوا صدقته (٧)» (٨) ، وهذا يدلّ على أن القصر المذكور في الآية (٩) هو القصر في عدد الركعات.
الثاني : أن القصر عبارة عن أن يؤتى ببعض الشّيء ويقتصر عليه ، فأمّا أن يؤتى بشيء آخر ، فذلك لا يسمّى قصرا ، ومعلوم : أن إقامة الإيماء (١٠) [مقام](١١) الرّكوع والسّجود ، وتجويز المشي في الصّلاة ، وتجويز الصّلاة مع الثّوب الملطّخ بالدّم ، ليس شيء من ذلك قصرا ؛ بل كلّها إثبات لأحكام جديدة ، وإقامة لشيء مقام شيء آخر.
__________________
(١) في أ : الدم بالثوب.
(٢) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ١٥.
(٣) سقط في ب.
(٤) في ب : يمكنه.
(٥) سقط في ب.
(٦) في أ : لعلي.
(٧) أخرجه مسلم ١ / ٤٧٨ كتاب صلاة المسافرين ، باب صلاة المسافرين ٤ / ٦٨٦ وأخرجه في الصلاة : باب صلاة المسافر (١١٩٩) ، والترمذي ٥ / ٢٢٧ ، في التفسير : باب (٥) (٣٠٢٤) ، وأخرجه ابن ماجه ١ / ٣٣٩ في إقامة الصلاة : باب تقصير الصلاة ١٠٦٥ ، والشافعي ١ / ٣١١.
وأبو داود (٢ / ٤) رقم (١١٩٩) والبيهقي (٣ / ١٣٤ ، ١٤٠ ، ١٤١) والطبري في «تفسيره» (٩ / ١٢٤) وأحمد رقم (١٧٤ ، ٢٤٤ ، ٢٤٥ ـ شاكر) من حديث عمر بن الخطاب.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٣٧١) وزاد نسبته إلى ابن الجارود وابن خزيمة وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن النحاس في ناسخه.
(٨) في البيضاوي الجواب بأن إن خفتم جملة شرطية باعتبار الغالب في ذلك الوقت ولذلك لم يعتبر مفهومها على أن هناك قراءة شاذة بإسقاط هذه الجملة. انتهى.
(٩) في أ : الأمر.
(١٠) في أ : الإيمان.
(١١) سقط في أ.