حذف مفعوليه ، أو أحدهما اقتصارا واختصارا ، وهو في الآية الكريمة يحتمل أوجها :
أحدها : أن يكون المفعول الأول محذوفا ، تقديره : يخوفكم أولياءه ، ويقوّي هذا التقدير قراءة ابن عبّاس وابن مسعود هذه الآية كذلك (١) ، والمراد ب «أولياءه» ـ هنا ـ الكفار ، ولا بدّ من حذف مضاف ، أي : شر أوليائه ؛ لأن الذوات لا يخاف منها.
الثاني : أن يكون المفعول الثاني هو المحذوف ، و «أولياءه» هو الأول ، والتقدير : يخوف أولياءه شرّ الكفار ، ويكون المراد ب «أولياءه» ـ على هذا الوجه ـ المنافقين ومن في قلبه مرض ممن تخلف عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الخروج.
والمعنى : أن تخويفه بالكفار إنما يحصل للمنافقين الذين هم أولياؤه ، وأما أنتم فلا يصل إليكم تخويفه قاله الحسن والسّدّي (٢).
الثالث : أن المفعولين محذوفان ، و «أولياءه» نعت ـ على إسقاط حرف الجر ـ والتقدير : يخوفكم الشر بأوليائه. والباء للسبب ، أي : بسبب أوليائه فيكونون هم كآلة التخويف لكم.
قالوا : ومثال حذف المفعول الثاني قوله تعالى : (فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِ) [القصص : ٧] أي : فإذا خفت عليه فرعون. ومثال حذف الجارّ قوله تعالى : (لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ) [الكهف : ٢] معناه لينذركم ببأس ، وقوله : (لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ) [غافر : ١٥]. وهذا قول الفرّاء والزّجّاج وأبي عليّ ، قالوا : ويدل عليه قراءة أبيّ والنّخعيّ : يخوفكم بأوليائه (٣).
قال شهاب الدّين : فكأن هذا القائل رأى قراءة أبيّ والنخعيّ «يخوف بأوليائه» فظن أنّ قراءة الجمهور مثلها في الأصل ، ثم حذفت الباء ، وليس كذلك ، بل تخرّج قراءة الجمهور على ما تقدم ؛ إذ لا حاجة إلى ادّعاء ما لا ضرورة له.
وأما قراءة أبيّ فيحتمل أن تكون الباء زائدة ، كقوله : [البسيط]
١٦٩٥ ـ ............ |
|
سود المحاجر لا يقرأن بالسّور (٤) |
فتكون كقراءة الجمهور في المعنى.
ويحتمل أن تكون للسبب ، والمفعولان محذوفان ـ كما تقدم.
قوله : (فَلا تَخافُوهُمْ) في الضمير المنصوب ثلاثة أوجه :
__________________
(١) انظر : المحرر الوجيز ١ / ٥٤٤ ، والبحر المحيط ٣ / ١٢٥ ، والدر المصون ٢ / ٢٦٣.
(٢) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ١٨٢) عن الحسن وعزاه لابن أبي حاتم عنه.
(٣) ينظر : المحرر الوجيز ١ / ٥٤٤ ، والبحر المحيط ٣ / ١٢٥ ، والدر المصون ٢ / ٢٦٣.
(٤) تقدم برقم ٨١٤.