و «ما» يجوز أن تكون موصولة اسمية ، فيكون العائد محذوفا ، لاستكمال الشروط ، أي: الذي نمليه ويجوز أن تكون مصدرية ـ أي : إملاءنا ـ وهي اسم «إن» و «خير» خبرها.
قال أبو البقاء (١) : «ولا يجوز أن تكون كافة ، وزائدة ؛ إذ لو كان كذلك لانتصب «خير» ب «نملي» واحتاجت «أن» إلى خبر ، إذا كانت «ما» زائدة ، أو قدر الفعل يليها ، وكلاهما ممتنع» انتهى. وهي من الواضحات. وكتبوا «أنما» ـ في الموضعين ـ متصلة ، وكان من حق الأولى الفصل ؛ لأنها موصولة.
وأما قراءة حمزة فاضطربت فيها أقوال الناس وتخاريجهم ، حتى أنه نقل عن أبي حاتم أنها لحن.
قال النحاس : وتابعه على ذلك [جماعة](٢) وهذا لا يلتفت إليه ، لتواترها ، وفي تخريجها ستة أوجه :
أحدها : أن يكون فاعل «تحسبن» ضمير النبي صلىاللهعليهوسلم و (الَّذِينَ كَفَرُوا) مفعول أول ، و (أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ) مفعول ثان ، ولا بدّ ـ على هذا التخريج ـ من حذف مضاف ، إما من الأول ، تقديره : ولا تحسبن شأن الذين ، وإما من الثّاني ، تقديره : أصحاب أن إملاءنا خير لهم.
وإنما احتجنا إلى هذا التأويل ؛ لأن (أَنَّما نُمْلِي) بتأويل مصدر ، والمصدر معنى من المعاني لا يصدق على (الَّذِينَ كَفَرُوا) والمفعول الثاني في هذا الباب هو الأول في المعنى.
الثاني : أن يكون (أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ) بدلا من (الَّذِينَ كَفَرُوا). وإلى هذا ذهب الكسائي ، والفرّاء ، وتبعهما جماعة ، منهم الزّجّاج والزمخشري ، وابن الباذش ، قال الكسائي ، والفرّاء : وجه هذه القراءة التكرير والتأكيد ، والتقدير : ولا تحسبن الذين كفروا ، ولا تحسبن أنما نملي. قال الفرّاء : ومثله : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ) أي : ما ينظرون إلا أن تأتيهم. انتهى.
ورد بعضهم قول الكسائيّ والفرّاء ، بأن حذف المفعول الثاني ـ في هذه الأفعال ـ لا يجوز عند أحد. وهذا الردّ ليس بشي ؛ لأن الممنوع إنما هو حذف الاقتصار ـ وقد تقدم تحقيق ذلك.
وقال ابن الباذش : ويكون المفعول الثاني قد حذف ؛ لدلالة الكلام عليه ، ويكون التقدير : ولا تحسبن الذين كفروا خيريّة إملائنا لهم ثابتة ، أو واقعة.
__________________
(١) ينظر : الإملاء ١ / ١٥٩.
(٢) في أ : خلق كثير.