التعبير عنه بلفظ الماضي ، دلّ على أن جدّهم واجتهادهم في تقرير الشبهة قد بلغ الغاية ، فصار بسبب ذلك الجد ، هذا المستقبل كالواقع.
الثانية : أنه ـ تعالى ـ لما عبر عن المستقبل بلفظ الماضي ، دلّ ذلك على أنه ليس المقصود الإخبار عن صدور هذا الكلام ، بل المقصود الإخبار عن جدّهم واجتهادهم في تقرير هذه الشّبهة».
وقدّر أبو حيّان (١) : مضافا محذوفا وهو عامل في «إذا» تقديره : وقالوا لهلاك إخوانهم ، أي : مخافة أن يهلك إخوانهم إذا سافروا ، أو غزوا ، فقدّر العامل مصدرا منحلا ل «أن» والمضارع ، حتى يكون مستقبلا ، قال : لكن يكون الضمير في قوله : (لَوْ كانُوا عِنْدَنا) عائدا على (لِإِخْوانِهِمْ) لفظا ، وعلى غيرهم معنى ـ أي : يعود على إخوان آخرين ، وهم الذين تقدّم موتهم بسبب سفر ، أو غزو ، وقصدهم بذلك تثبيط الباقين ـ وهو مثل قوله تعالى : (وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ) [فاطر : ١١] وقول العرب : عندي درهم ونصفه.
وقول الشاعر : [البسيط]
١٦٧٣ ـ قالت : ألا ليتما هذا الحمام لنا |
|
إلى حمامتنا ، أو نصفه فقد (٢) |
المعنى : من معمر آخر ، ونصف درهم آخر ، ونصف حمام آخر.
وقال قطرب : كلمة «إذ» و «إذا» يجوز إقامة كل واحدة منهما مقام الأخرى ، فيكون «إذا» هنا بمعنى «إذ».
قال بعضهم : وهذا ليس بشيء.
قال ابن الخطيب : «أقول : هذا ـ الذي قاله قطرب ـ كلام حسن ، وذلك لأنا جوّزنا إثبات اللغة بشعر مجهول ، فنقول عن قائل مجهول ، فلأن يجوّز إثباتها بالقرآن العظيم كان ذلك أولى ، أقصى ما في الباب أن يقال : «إذا» حقيقة في المستقبل ، ولكن لم لا يجوز استعماله في الماضي على سبيل المجاز ، لما بينه وبين كلمة «إذ» من المشابهة الشديدة ، وكثيرا أرى النحويين يتحيّرون في تقرير الألفاظ الواردة في القرآن ، فإذا استشهدوا في تقريره ببيت مجهول فرحوا به ، وأنا شديد التعجّب منهم ؛ فإنهم إذا جعلوا ورود ذلك البيت المجهول دليلا على صحته ، فلأن يجعلوا ورود القرآن به دليلا على صحته كان أولى».
قوله : (أَوْ كانُوا غُزًّى) ـ بالتشديد ـ جمع غاز ـ كالرّكّع والسّجّد ـ جمع راكع وساجد ـ وقياسه : غزاة كرام ورماة ـ ولكنهم حملوا المعتل على الصحيح ، في نحو ضارب وضرّب ، وصائم وصوّم.
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٩٩.
(٢) تقدم برقم ٢٠٠.