يجوز إظهارها. والفرق بينها وبين لام «كي» أن هذه ـ على المشهور ـ شرطها أن تكون بعد كون منفي ، ومنهم من يشترط مضي الكون ، ومنهم من لم يشترط الكون.
وفي خبر «كان» ـ هنا ـ وما أشبهه قولان :
أحدهما : قول البصريين ـ أنه محذوف ، وأن اللام مقوية لتعدية ذلك الخبر المقدّر لضعفه ، والتقدير : ما كان الله مريدا لأن يذر ، و «أن يذر» هو مفعول «مريدا» والتقدير : ما كان الله مريدا ترك المؤمنين.
الثاني : ـ قول الكوفيين ـ أن اللام زائدة لتأكيد النفي ، وأن الفعل بعدها هو خبر
__________________
ـ وجوبا ، وشرطها : أن يكون قبلها كون ماض لفظا ، أو معنى ناقص منفي بلا أو بلم ، نحو : «ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ» ولم يكن زيد ليذهب ، ولا يكون النفي هنا (بلن) ولا «بلا» ولا (بلما) ولا (بإن) وذهب بعض النحويين إلى جواز ذلك في ظننت فتقول : ما ظننت زيدا ليضرب عمرا ، ولم أظن زيدا ليضرب عمرا ، وذكروا أن قول العرب لا كان زيد ليفعل ، وقد أجاز ذلك بعض أصحابنا ، ويحتاج إلى سماع ، ولا يجوز في نفي كان زيد سيفعل أن تقول : ما كان زيد يفعل فتسقط اللام ، وقد أجاز ذلك بعض النحويين على قلة ، فأما ما ورد من قولهم : ما كان زيد يفعل ، فإن يفعل أريد به الاستقبال ، ولما كانت أن مضمرة على مذهب البصريين ، وهي تنسبك منها مع الفعل مصدر مقدر جره بلام الجر عندهم أن يكون خبر كان هو المحذوف الذي يتعلق به اللام ، فيكون النفي متسلطا على ذلك الخبر المحذوف ، فينتفي بنفيه متعلقه ، فيقدرون «وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ» أي مريدا لإطلاعكم ، ويكون خبر كان ملتزما فيه الحذف في هذا التركيب ، ويدل على هذا المحذوف أنه قد سمع به مصرحا في قول الشاعر :
سموت ولم تكن أهلا لتسمو
لكن التصريح به في غاية الندور ، وفي البديع لمحمد بن مسعود القرني (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) لا يجوز لأن يضيع إلا بشرط أن يظهر خبر كان ، فتقول : ما كان الله مريدا لأن يضيع إيمانكم ، وذلك لأن المحذوفات من كلام المشهور إذا أريدها ، فالحق أن ترد كلها حتى يرجع إلى أصله ، أو تضمر كلها حتى يبقى الكلام على شهرته نحو : إياك والأسد ، فلا يجوز أن يرد بعضها ويضمر بعض لا تضمر إياك احفظ والأسد بل احفظ إياك واحذر الأسد انتهى. ولما كان (أن) مضمرة بعد اللام أجاز بعض النحويين من البصريين حذف اللام وإظهار (أن) نحو : ما كان زيد أن يقوم ، وقال ابن الأنباري : العرب تدخل (أن) في موضع لام الجحود فيقولون : ما كان عبد الله أن يظلمك ، ولم يكن محمد أن يختصمك قال : ولا موضع (لأن) من الإعراب لأنها أفادت ما أفادت اللام ، ولا يجوز ما كان عبد الله لأن يزورك بإظهار (أن) بعد اللام عند كوفي ولا بصري انتهى ، والصحيح أنه لا يكتفى (بأن) عن اللام ، وقد اضطرب في ذلك ابن عصفور فمرة أجاز ومرة منع ، ولما كانت اللام هي الناصبة عند الكوفيين ، كان الخبر هو نفس الفعل ، فالنفي متسلط عليه ، واللام عندهم زائدة لمجرد التوكيد ، فلذلك أجازوا أن يتقدم معمول الفعل المنصوب بها عليها ، نحو : ما كان زيد لأن يقوم ، على سبيل التأكيد ، وهذا مخالف لما حكى ابن الأنباري عن الكوفيين أنهم لا يجيزون ذلك ، ويتركب من قول ابن مالك مذهب لم يقل به أحد ، وذلك أنه زعم أن (أن) لازمة للإضمار ، وأن النصب بها ، وزعم أن الفعل بعد اللام هو الخبر لكان ، وليس هذا بقول بصري ولا كوفي ، وهذا الذي ذكرناه من خصوصية حرف النفي أو الفعل المنفي به هو المشهور والمتصور في لام الجحود ، وزعم بعضهم أنها تكون في كل فعل منفي تقدمه فعل نحو : ما جئت لتكرمني ، ومن جعل لام الجحود لام (كي) فساه ولا يجيء قبل (لام) الجحود اسم مفرد بل جملة بشروطها. الارتشاف ٢ / ٣٩٩ ـ ٤٠٠ ـ ٤٠١ وانظر المقرب ١ / ٢٦٢.