وقرأ الجمهور (وَالزُّبُرِ وَالْكِتابِ)(١) ـ من غير باء الجر ـ وقرأ ابن عامر «وبالزّبر» ـ بإعادتها (٢) ـ وهشام وحده عنه «وبالكتاب» ـ بإعادتها أيضا ـ وهي في مصاحف الشاميين كقراءة ابن عامر ، فمن لم يأت بها اكتفى بالعطف ، ومن أتى بها كان ذلك تأكيدا.
والزّبر : جمع زبور ـ بالفتح ـ ويقال : زبور ـ بالضم أيضا ـ وهل هما بمعنى واحد أو مختلفان؟ سيأتي الكلام عليهما ـ إن شاء الله تعالى ـ في النساء في قوله : (وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً) [النساء : ١٦٣]. واشتقاقه من زبرت : أي : كتبت وزبرته : قرأته ، وزبرته : حسّنت كتابته ، وزبرته : زجرته. فزبور ـ بالفتح ـ فعول بمعنى مفعول ـ كالركوب بمعنى :
المركوب ـ والحلوب ـ بمعنى المحلوب ـ والمعنى : الكتب المزبورة ، أي : المكتوبة ، والزّبر : جمع زبور ، وهو الكتاب.
قال امرؤ القيس : [الطويل]
١٧٠٣ ـ لمن طلل أبصرته فشجاني |
|
كخطّ زبور في عسيب يماني (٣) |
وقيل : اشتقاق اللفظة من الزّبرة ، وهي قطعة الحديد المتروكة بحالها.
وقيل : الزبور من الزّبر ـ بمعنى : الزجر ـ تقول : زبرت الرجل : أي : نهرته. وزبرت البئر : أي : طويتها بالحجارة.
فإن قيل : لم عطف «الكتاب المنير» على «الزّبر» مع أن الكتاب المنير من الزّبر؟
فالجواب : لأن الكتاب المنير أشرف الكتب ، وأحسن الزبر ، فحسن العطف ، كقوله : (وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) [الأحزاب : ٧]. وقوله : (وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ) [البقرة : ٩٨]. ووجه شرفه : كونه مشتملا على جميع الشريعة ، أو كونه باقيا على وجه الدّهر.
وقيل : المراد ب «الزّبر» الصّحف ، والمراد ب (الْكِتابِ الْمُنِيرِ) التوراة والإنجيل والزبور.
و «المنير» اسم فاعل من أنار ، أي : أضاء ، وهو الواضح. والمراد بهذه الآية ـ تسلية قلب الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم بما جرى على الأنبياء قبله.
__________________
(١) أخرجه أحمد (٣ / ٣٢١) والحاكم (٤ / ٤٢٢) وعبد الرزاق (٢٠٧١٩) وأخرجه الطبراني (١٩ / ١٤٥) بلفظ : يا كعب بن عجرة الصلاة برهان والصوم جنة.
وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (١٠ / ٢٣٠) وعزاه لأبي يعلى وقال : ورجاله رجال الصحيح غير إسحاق بن أبي إسرائيل وهو ثقة مأمون.
(٢) انظر : حجة القراءات ١٨٥ ، والكشف ١ / ٣٧٠ ، وإعراب القراءات ١ / ١٢٥ ، والعنوان ٨٢ ، وشرح الطيبة ٤ / ١٨١ ، وشرح شعلة ٣٢٩ ، وإتحاف ١ / ٤٩٧.
(٣) ينظر : ديوانه (٨٥) ، والدر المصون ٢ / ٢٧٦ ، والبحر المحيط ٣ / ١٣٥.