الإقدام على الاجتهاد مع التّمكن من الوحي جاريا مجرى الإقدام على الاجتهاد مع حضور النّص ، فلمّا كان هذا غير جائز فكذا ذاك.
ثم قال تعالى : (وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ). واختلفوا في تأويل هذا القول ، فقيل : هو الشيطان على طريق الوسوسة ، وقيل : قاله بعضهم لبعض. وقيل : قاله الرسول ـ عليه الصلاة والسّلام ـ ، لمّا أذن لهم في التخلف ، فعاتبه الله. وقيل : القائل هو الله تعالى ؛ لأنه كره خروجهم ؛ لأجل الإفساد ، فأمرهم بالقعود عن هذا الخروج المخصوص. ثمّ بيّن ذلك بقوله (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالاً) أي : في جيشكم ، وفي جمعكم. وقيل : «في» بمعنى «مع» أي : معكم.
قوله : (إِلَّا خَبالاً) جوّزوا فيه أن يكون استثناء متصلا ، وهو مفرّغ ؛ لأنّ زاد يتعدى لاثنين.
قال الزمخشري (١) المستثنى منه غير مذكور ، فالاستثناء من أعمّ العام ، الذي هو الشيء فكان استثناء متصلا ، فإنّ «الخبال» بعض أعمّ العام ، كأنه قيل : «ما زادوكم شيئا إلا خبالا» وجوّزوا فيه أن يكون منقطعا ، والمعنى : ما زادوكم قوة ولا شدة ، ولكن خبالا. وهذا يجيء على قول من قال : إنّه لم يكن في عسكر رسول الله صلىاللهعليهوسلم خبال ، كذا قال أبو حيان (٢). وفيه نظر ؛ لأنه إذا لم يكن في العسكر خبال أصلا ، فكيف يستثنى شيء لم يكن ولم يتوهّم وجوده؟. وتقدم تفسير «الخبال» في آل عمران. قال الكلبيّ : إلّا شرا وقال يمان : إلّا مكرا ، وقيل : إلّا غيّا ، وقال الضحاك : إلّا غدرا.
وقرأ ابن أبي (٣) عبلة : «ما زادكم إلا خبالا» ، أي : ما زادكم خروجهم.
قوله : (وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ). الإيضاع : الإسراع ، يقال : أوضع البعير ، أي : أسرع في سيره ؛ قال امرؤ القيس : [الوافر]
٢٧٨٧ ـ أرانا موضعين لأمر غيب |
|
ونسحر بالطّعام وبالشّراب |
(٤) وقال آخر : [منهوك الرجز]
٢٧٨٨ ـ يا ليتني فيها جذع |
|
أخبّ فيها وأضع (٥) |
ومفعول : «أوضعوا» محذوف ، أي : أوضعوا ركائبهم ؛ لأنّ الراكب أسرع من الماشي.
__________________
(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٢٧٦.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٥٠.
(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٤١ ، البحر المحيط ٥ / ٥٠ ، الدر المصون ٣ / ٤٧٠.
(٤) تقدم.
(٥) البيت لدريد بن الصمة في ديوانه (٩٣) وينظر : المحتسب ١ / ٢٩٣ اللسان ٦ / ٤٨٥٩ [وضع] الطبري ١٤ / ٢٧٨ القرطبي ٨ / ١٥٧ البحر المحيط ٥ / ٥١ الدر المصون ٣ / ٤٧٠ الصحاح [جذع].