الأخوان «كرها» بالضّمّ ، وقد تقدم تحقيق ذلك في النساء. وقال أبو حيان (١) هنا : «قرأ الأعمش (٢) وابن وثاب «كرها» بضم الكاف». وهذا يوهم أنّها لم تقرأ في السبعة. قال الزمخشري : هو أمر في معنى الخبر ، كقوله : (فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا) [مريم : ٧٥] ، ومعناه لن يتقبّل منكم ؛ أنفقتم طوعا أو كرها ، ونحوه قوله تعالى : (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ) [التوبة : ٨٠] ؛ وقول كثير عزة : [الطويل]
٢٧٩٦ ـ أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة |
|
......... (٣) |
أي : لن يغفر الله ، استغفرت لهم ، أو لم تستغفر. ولا نلومك أحسنت إلينا ، أم أسأت ؛ وفي معناه قول القائل : [الطويل]
٢٧٩٧ ـ أخوك الذي إن قمت بالسّيف عامدا |
|
لتضربه لم يستغشّك في الودّ (٤) |
وقال ابن عطيّة (٥) «هذا أمر في ضمنه جزاء ، والتقدير : إن تنفقوا لن يتقبّل منكم. وأمّا إذا عري الأمر من الجواب فليس يصحبه تضمّن الشّرط» قال أبو حيّان «ويقدح في هذا التّخريج ، أنّ الأمر إذا كان فيه معنى الشرط ، كان الجواب كجواب الشرط. فعلى هذا يقتضي أن يكون التركيب : «فلن يتقبل» بالفاء ، لأنّ «لن» لا تقع جوابا للشّرط إلّا بالفاء فكذلك ما ضمّن معناه ؛ ألا ترى جزمه الجواب ، في قوله : اقصد زيدا يحسن إليك».
قال شهاب الدّين «إنّما أراد أبو محمد تفسير المعنى ، وإلا فلا يجهل مثل هذه الواضحات ، وأيضا فلا يلزم أن يعطى الأمر التقديري حكم الشّيء الظاهر من كل وجه». وقوله : «إنّكم» وما بعده جار مجرى التعليل. وقوله : (لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ) يحتمل أن يكون المراد أن الرسول ـ عليه الصلاة والسّلام ـ لا يتقبل تلك الأموال منهم ، ويحتمل أن يكون المراد أنها لا تصير مقبولة عند الله تعالى.
قيل : نزلت في جد بن قيس حين استأذن في القعود ، وقال : أعينكم بمالي ، والمراد بالفسق هنا : الكفر ، لقوله بعده (وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ) [التوبة : ٥٤].
قوله تعالى : (وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٥٤.
(٢) ينظر : القراءة السابقة.
(٣) صدر بيت وعجزه :
لدينا ولا مقلية إن تقلّت
ينظر : ديوانه (١٠١) أمالي ابن الشجري ١ / ٤٩ التهذيب واللسان [حسن] معاني الفراء ١ / ٤٤١ القرطبي ٨ / ١٦١ الدر المصون ٣ / ٤٧٢ تفسير الطبري ١٤ / ٢٩٣ ، تفسير الفخر ١٦ / ٨٨.
(٤) البيت من شواهد الكشاف ٢ / ٣٧٥ ، الدر المصون ٣ / ٤٧٢.
(٥) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٤٤.