بطشا ومنعة ، (وَأَكْثَرَ أَمْوالاً وَأَوْلاداً) إنما استمتعوا مدة بالدنيا ، باتباع الشهوات ، ورضوا به عوضا عن الآخرة ، (فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ) ، والخلاق : النصيب وهو ما قدر للإنسان من خير. (كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ) وسلكتم سبيلهم (وَخُضْتُمْ) في الباطل والكذب على الله وتكذيب رسله ، والاستهزاء بالمؤمنين ، (كَالَّذِي خاضُوا) أي : كما خاضوا.
(أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) أي : بطلت حسناتهم في الدنيا بسبب الموت والفقر والانتقال من العز إلى الذل ومن القوة إلى الضعف ، وفي الآخرة ؛ لأنهم لا يثابون بل يعاقبون أشد العقاب. (وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) حيث أتبعوا أنفسهم في الرد على الأنبياء ، ولم يجدوا منه إلا فوات الخير في الدنيا والآخرة ، فكما حبطت أعمالهم وخسروا حبطت أعمالكم وخسرتم.
روى أبو سعيد الخدري عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر ، وذراعا بذراع، حتى إذا دخلوا حجر ضب لا تبعتموهم» قيل : يا رسول الله اليهود والنصارى قال : «فمن؟» وفي روآية أبي هريرة : فهل الناس إلا هم (١)؟ فلهذا قال في المنافقين (بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ) ، وقال في المؤمنين : «بعضهم أولياء بعض» أي : في الدين واتفاق الكلمة ، والعون ، والنصرة ، (يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) بالإيمان والطاعة والخير ، وقد تقدم الكلام على (يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ). (وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) عن الشرك والمعصية ، وما لا يعرف في الشرع (وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ) المفروضة (وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ) فالسين للاستقبائل ، إذ المراد رحمة خاصة ، وهي ما خبأه لهم في الآخرة. وادعى الزمخشري : أنها تفيد وجوب الرحمة وتوكيد الوعد والوعيد ، نحو : سأنتقم منك ، يعني لا تفوتني وإن تباطأ ذلك ، ونظيره : (سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا) [مريم : ٩٦] (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ) [الضحى : ٥] (سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ) [النساء : ١٥٢].
ثم قال : (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) وذلك يوجب المبالغة في الترغيب والترهيب ؛ لأن العزيز هو الذي لا يمنع من مراده في عباده من رحمة أو عقوبة ، والحكيم هو المدبر أمر عباده على ما تقتضيه الحكمة.
قوله تعالى : (وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٧٢) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٧٣) يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا وَما
__________________
(١) أخرجه البخاري (١٣ / ٣١٢ ـ ٣١٣) كتاب الاعتصام : باب قوله صلىاللهعليهوسلم : «لتتبعن سنن من كان قبلكم» (٧٣٢٠) ومسلم ٤ / ٢٠٥٤ كتاب العلم باب اتباع سنن اليهود والنصارى (٦ ـ ٢٦٦٩).