وجاء أبو عقيل الأنصاري واسمه الحبحاب ، بصاع من تمر ، وقال : يا رسول الله بتّ ليلتي أجر بالجرير حتى نلت صاعين من تمر ؛ فأمسكت أحدهما لعيالي ، وجئت بالآخر ؛ فأمره رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن ينثره على الصّدقات ؛ فلمزهم المنافقون ، وقالوا : ما أعطى عبد الرحمن وعاصم إلّا رياء ، وإن كان الله ورسوله لغنيين عن صاع أبي عقيل ولكنّه أحب أن يزكي نفسه ليعطى من الصّدقات ؛ فأنزل الله تعالى : (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ) أي : يعيبون المطوعين المتبرعين من المؤمنين في الصدقات ، يعني : عبد الرحمن بن عوف وعاصما ، (وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ) أي : طاقتهم.
والجهد : شيء قليل يعيش به المقلّ ، والجهد بالفتح ، والجهد بالضمّ بمعنى واحد يعني : أبا عقيل. (فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ) يستهزئون منهم ، (سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ) أي : جازاهم على السخرية. وقال الأصمّ : المراد أنه تعالى قبل من هؤلاء المنافقين ما أظهروه من أعمال البرّ مع أنّه لا يثيبهم عليها ؛ فكان ذلك كالسخرية ، (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ).
قوله تعالى : (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ) الآية.
قال ابن عبّاس : إنّ عند نزول الآية في المنافقين ، قالوا : يا رسول الله ، استغفر لنا ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «سأستغفر لكم» ؛ فنزل قوله تعالى : (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ) [التوبة : ٨٠] لفظه أمر ، ومعناه خبر ، تقديره : استغفرت لهم ، أو لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم (١).
قال الضحاك : لما نزلت هذه الآية ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنّ الله قد رخّص لي فلأزيدنّ على السبعين لعلّ الله أن يغفر لهم» فأنزل الله عزوجل (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) [المنافقون : ٦] (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ)(٢).
قوله : (سَبْعِينَ مَرَّةً) منصوب على المصدر ، كقولك : ضربته عشرين ضربة ؛ فهو لعدد مرّاته وقوله : (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ) قد تقدّم الكلام على هذا عند قوله : (قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ) [التوبة : ٥٣] ؛ وأنّه نظير قوله : [الطويل]
٢٨١٨ ـ أسيئي بنا أو أحسني لا مسيئة |
|
لدينا ولا مقليّة إن تقلّت (٣) |
قوله تعالى : (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ (٨١) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨٢) فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلى طائِفَةٍ
__________________
(١) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٦ / ١١٦).
(٢) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٣١٥).
(٣) تقدم.