قال الأخفش (١) وأبو عبيدة : إنّ «خلاف» بمعنى : «خلف» ، وأنّ يونس رواه عن عيسى بن عمر ومعناه : بعد رسول الله. ويؤيده قراءة ابن عبّاس ، وأبو (٢) حيوة ، وعمرو بن ميمون «خلف» بفتح الخاء وسكون اللّام.
وعلى هذا القول ، الخلاف : اسم للجهة المعينة كالخلف ، وذلك أنّ المتوجّه إلى قدّامه فجهة خلفه مخالفة لجهة قدّامة في كونها جهة متوجّها إليها ، و «خلاف» بمعنى «خلف» مستعمل ، وأنشد أبو عبيدة للأحوص : [الكامل]
٢٨١٩ ـ عقب الرّبيع خلافهم فكأنّما |
|
بسط الشّواطب بينهنّ حصيرا (٣) |
وقول الآخر : [الطويل]
٢٨٢٠ ـ فقل للّذي يبقى خلاف الذي مضى |
|
تأهّب لأخرى مثلها فكأن قد (٤) |
قوله تعالى : (وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) أي : إنّهم فرحوا بسبب التخلف ، وكرهوا الذهاب إلى الغزو.
واعلم أنّ الفرح بالإقامة يدل على كراهية الذهاب ، إلّا أنّه أعاده للتّأكيد ، أو لعلّ أن المراد أنّ طبعه مال إلى الإقامة ؛ لأجل إلفه البلدة ، واستئناسه بأهله وولده ، وكره الخروج إلى الغزو ؛ لأنّه تعريض للمال والنفس للقتل ، وأيضا منعهم عن الخروج شدة الحرّ في وقت خروج رسول اللهصلىاللهعليهوسلم ، وهو المراد من قوله : (لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ) ، فأجاب الله عن هذا الأخير بقوله : (قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ) أي : يعلمون ، وكذلك في مصحف عبد الله بن مسعود ، أي : بعد هذه الدّار ، دار أخرى ، وبعد هذه الحياة حياة أخرى ، وأيضا هذه مشقة منقضية ، وتلك مشقة باقية.
وأنشد الزمخشريّ لبعضهم : [الطويل]
٢٨٢١ ـ مسرّة أحقاب تلقّيت بعدها |
|
مساءة يوم أريها شبه الصّاب |
فكيف بأن تلقى مسرّة ساعة |
|
وراء تقضّيها مساءة أحقاب (٥) |
قوله تعالى : (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً) الآية.
«قليلا ، وكثيرا» فيهما وجهان :
__________________
(١) ينظر : معاني القرآن للأخفش ٢ / ٣٣٤.
(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ٢٩٦ ، المحرر الوجيز ٣ / ٦٦ ، البحر المحيط ٥ / ٨١ ، الدر المصون ٣ / ٤٨٧.
(٣) البيت للحارث بن خالد المخزومي. ينظر : مجاز القرآن ١ / ٢٦٤ ، والطبري ١٤ / ٢٩٨ والتفسير الكبير ١٦ / ١٤٩ ، واللسان (خلف) و (عقب) ، والبحر المحيط ٥ / ٨٠ والمحرر الوجيز ٣ / ٥٥٤.
(٤) ينظر : معجم الشعراء ٦ ، والبحر المحيط ٥ / ٨٠ ، واللسان (خلف) والدر المصون ٣ / ٤٨٧.
(٥) ينظر : الكشاف ٢ / ٢٠٥ ، والتفسير الكبير ١٦ / ١٤٩ ، ١٥٠ ، والبحر المحيط ٥ / ٧٩ ، والدر المصون ٣ / ٤٨٨.