وقال مقاتل : قال النبيّ صلىاللهعليهوسلم حين قدم المدينة : «لا تجالسوهم ولا تكلموهم» (١). ثمّ ذكر العلّة في وجوب الإعراض عنهم ، فقال : (إِنَّهُمْ رِجْسٌ) والمعنى : أن خبث بواطنهم رجس روحاني ، فكما يجب الاحتراز عن الأرجاس الجسمانية ؛ فوجوب الاحتراز عن الأرجاس الروحانية أولى. وقيل : إنّ عملهم قبيح. (وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ) أي : منزلهم. قال الجوهريّ : المأوى : كل مكان يأوي إليه شيء ليلا أو نهارا ، وقد أوى فلان إلى منزله يأوي أويّا ، على «فعول» ، وإواء ، وأويته إذا أنزلته بك ، فعلت وأفعلت ، بمعنى عن أبي زيد. ومأوي الإبل ـ بكسر الواو ـ لغة في مأوى الإبل خاصّة ، وهو شاذ.
قوله : «جزاء ..» يجوز أن ينتصب على المصدر بفعل من لفظه مقدر ، أي : يجزون جزاء ، وأن ينتصب بمضمون الجملة السابقة ؛ لأنّ كونهم يأوون في جهنم في معنى المجازاة ، ويجوز أن يكون مفعولا من أجله.
قوله تعالى : (يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ) الآية.
لمّا بيّن في الآية الأولى أنّهم يحلفون بالله ليعرض المسلمون عن إيذائهم ، بين ههنا أيضا أنهم يحلفون ليرضى المسلمون عنهم ، ثمّ إنّه تعالى نهى المسلمين عن أن يرضوا عنهم ، وذكر العلّة في ذلك النهي وهي أن : (اللهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ).
قوله تعالى : (الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً) الآية.
لمّا ذكر الله تعالى أحوال المنافقين في المدينة ذكر من كان خارجا منها ، ونائيا عنها من الأعراب فقال : كفرهم أشد. قال قتادة : «لأنّهم أبعد عن معرفة السنن» (٢) وقيل : لأنّهم أقسى قلبا ، وأكذب قولا ، وأغلظ طبعا ، وأبعد عن استماع التنزيل ، ولذا قال تعالى في حقّهم : (وَأَجْدَرُ) أي : أخلق. (أَلَّا يَعْلَمُوا). ولمّا دلّ ذلك على نقصهم من المرتبة الكاملة عن سواهم ، ترتب على ذلك أحكام :
منها : أنّه لا حقّ لهم في الفيء والغنيمة ، لقوله عليه الصلاة والسّلام في حديث بريدة : «... ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلّا أن يجاهدوا مع المسلمين» (٣). ومنها : إسقاط شهادة أهل البادية عن الحاضرة ، لتحقق التهمة. وأجازها أبو حنيفة ؛ لأنّها لا تراعى كل تهمة والمسلمون كلهم عنده عدول ، وأجازها الشافعيّ إذا كان عدلا ، وهو الصحيح.
قوله : «الأعراب» صيغة جمع ، وليس جمعا ل «عرب» قاله سيبويه ، وذلك لئلّا يلزم
__________________
(١) انظر المصدر السابق.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٤٥٠) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٤٨١) وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.
(٣) أخرجه مسلم (٣ / ١٣٥٧) كتاب الجهاد : باب جواز الإغارة على الكفار (٣ / ١٧٣٠).