أي : إلّا الخصلة الحسنى ، أو إلّا الإرادة الحسنى. وقال الزمخشريّ «ما أردنا ببناء هذا المسجد إلّا الخصلة الحسنى ، أو إلا الإرادة الحسنى ، وهي الصلاة». قال أبو حيّان كأنّه في قوله : «إلّا الخصلة الحسنى» جعله مفعولا ، وفي قوله «أو إلّا الإرادة الحسنى» علة ؛ فكأنه ضمّن «أراد» معنى «قصد» ، أي : ما قصدوا ببنائه لشيء من الأشياء إلّا الإرادة الحسنى. قال «وهذا وجه متكلف» وأرادوا بالفعلة الحسنى : الرفق بالمسلمين ، والتوسعة على أهل الضعف ، والعلة ، والعجز عن المصير إلى مسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ؛ لأنّهم قالوا لرسول الله : إنّا بنينا مسجدا لذي العلّة والحاجة واللّيلة المطيرة. ثم قال تعالى : (وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) أي : أنّ الله أطلع الرّسول ـ عليه الصلاة والسّلام ـ على أنّهم حلفوا كاذبين.
روي أنه لمّا انصرف رسول الله صلىاللهعليهوسلم من تبوك ؛ فنزل بذي أوان موضع قريب من المدينة ، أتوه فسألوه إتيان مسجدهم ، فدعا بقميصه ليلبسه ، ويأتيهم ، فنزل القرآن عليه وأخبره خبر مسجد الضرار ، وما همّوا به ، فدعا رسول الله صلىاللهعليهوسلم مالك بن الدخشم ، ومعن بن عديّ ، وعامر بن السكن ، والوحشي قاتل حمزة ، وقال لهم : «انطلقوا إلى هذا المسجد الظّالم أهله فاهدموه وأحرقوه» فخرجوا مسرعين حتّى أتوا سالم بن عوف وهم رهط مالك بن الدخشم فقال مالك : أنظروني حتى أخرج إليكم بنار من أهلي ، فدخل أهله فأخذ سعفا من النخل ، فأشعل فيه نارا ، ثم خرجوا يشتدون حتى دخلوا المسجد ، وفيه أهله فحرقوه وهدموه ، وتفرّق عنه أهله ، وأمر النبيصلىاللهعليهوسلم أن يتخذ ذلك كناسة تلقى فيه الجيف ، والنتن ، والقمامة ، ومات أبو عامر الرّاهب بالشّام وحيدا غريبا.
وروي أنّ بني عمرو بن عوف الذين بنوا مسجد قباء أتوا عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ في خلافته ليأذن لمجمع بن حارثة ، فيؤمّهم في مسجدهم ، فقال : لا والله ولا نعمة عين! أليس بإمام مسجد الضرار؟ فقال له مجمع : يا أمير المؤمنين ، لا تعجل عليّ ، فو الله لقد صليت فيه وأنا لا أعلم ما أضمروا عليه ، ولو علمت ما صلّيت معهم ، كنت غلاما قارئا للقرآن ، وكانوا شيوخا لا يقرؤون فصليت ولا أحسب إلّا أنهم يتقرّبون إلى الله ، ولم أعلم ما في أنفسهم فعذره عمر وصدّقه وأمره بالصّلاة في مسجد قباء. قال عطاء «لمّا فتح الله على عمر الأمصار أمر المسلمين أن يبنوا المساجد ، وأمرهم ألّا يبنوا في مدينة مسجدين يضار أحدهما صاحبه» (١).
قوله : (لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً).
قال ابن عباس «لا تصلّ فيه» منع الله نبيّه صلىاللهعليهوسلم أن يصلّي في مسجد الضّرار (٢).
قال ابن جريج : فرغوا من إتمام ذلك المسجد يوم الجمعة ، فصلّوا فيه ذلك اليوم ويوم السبت والأحد ، وانهار في يوم الاثنين (٣).
__________________
(١) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٣٢٧).
(٢) انظر المصدر السابق.
(٣) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٦ / ١٥٥) عن ابن جريج.