العلم ، ينتقلون من بلد إلى بلد» (١) وقوله (الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ) يعني : المصلّين. وقوله : (الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) بالإيمان (وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ) عن الشّرك. وقيل : المعروف : السنّة ، والمنكر : البدعة.
قوله : (وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ) القائمون بأوامر الله. وقال الحسن «أهل الوفاء ببيعة الله» (٢).
قوله تعالى : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ) الآيات.
لمّا بيّن في أول السّورة إلى هذا الموضع وجوب البراءة عن المشركين ، والمنافقين من جميع الوجوه ، بيّن في هذه الآية وجوب البراءة عن أمواتهم ، وإن كانوا في غاية القرب من الإنسان كالأب والأم ، كما أوجب البراءة عن الأحياء منهم.
قال ابن عباس : لمّا فتح رسول الله صلىاللهعليهوسلم مكّة ، أتى قبر أمه آمنة ، فوقف عليه حتى حميت الشمس ، رجاء أن يؤذن له ليستغفر لها ، فنزلت (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ)(٣) وعن أبي هريرة قال : زار النبيّ صلىاللهعليهوسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله ، فقال : «استأذنت ربّي في أن أستغفر لها ؛ فلم يؤذن لي واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي ، فزوروا القبور فإنّها تذكر الموت» (٤).
قال قتادة : قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «لأستغفرنّ لأبي ، كما استغفر إبراهيم لأبيه» فأنزل الله هذه الآية (٥). وروى سعيد بن المسيب عن أبيه قال : لمّا حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول اللهصلىاللهعليهوسلم فوجد عنده أبا جهل ، وعبد الله بن أبي أميّة بن المغيرة ـ فقال : «يا عم قل لا إله إلّا الله أحاجّ لك بها عند الله» فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أميّة : أترغب عن ملّة عبد المطلب؟ فلم يزل رسول الله صلىاللهعليهوسلم يعرضها عليه وبعيد له تلك المقالة ، حتّى قال أبو طالب آخر ما كلّمهم : على ملّة عبد المطّلب وأبى أن يقول لا إله إلّا الله ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «لأستغفرنّ لك ما لم أنه عنك» فأنزل الله هذه الآية ، وقوله : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ)(٦)
__________________
(١) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٥٠٤) وعزاه إلى ابن أبي حاتم وأبي الشيخ وذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٢٣٠).
(٢) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٣٣٠).
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٤٨٩) عن عطية وذكره الرازي في «تفسيره» (١٦ / ١٦٥) عن ابن عباس.
(٤) أخرجه مسلم ٢ / ٦٧١ كتاب الجنائز باب استئذان النبي صلىاللهعليهوسلم ربه عزوجل في زيارة قبر أمه (١٠٨ ـ ٩٧٦).
(٥) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٣٣١).
(٦) أخرجه البخاري (٨ / ١٦٢) كتاب التفسير : باب ما كان للنبي والذين آمنوا ..... حديث (٤٦٧٥) ومسلم (١ / ٥٤) كتاب الإيمان رقم (٣٩) والبيهقي في «الدلائل» (٢ / ٣٤٣) والطبري في تفسيره (٦ / ٤٨٨).
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٥٠٥) وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة وأحمد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ وابن مردويه.