وقال قتادة «هم أهل مكة الذين عاهدهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم الحديبية» (١).
قال تعالى : (فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ) أي : على العهد : (فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ) [يعني ما أقاموا على العهد ثم إنهم لم يستقيموا] ونقضوا العهد ، وأعانوا بني بكر على خزاعة ، فضرب لهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعد الفتح أربعة أشهر يختارون من أمرهم ، وإما أن يلحقوا بأي بلاد شاؤا ، فأسلموا قبل الأربعة أشهر.
وقال السدي والكلبي وابن إسحاق : إنهم قبائل من بني بكر وهم خزيمة ، وبنو مدلج من ضمرة ، وبنو الديل ، وهم الذين كانوا قد دخلوا في عهد قريش يوم الحديبية ولم يكن نقض إلا قريش ، وبنو الديل من بكر ؛ فأمر بإتمام العهد لمن لم ينقض وهم بنو ضمرة ، وهذا القول أقرب إلى الصواب ؛ لأن هذه الآيات نزلت بعد نقض قريش العهد وبعد فتح مكة ؛ لأن بعد الفتح كيف يقول قد مضى : (فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ).
وإنما هم الذين قال الله ـ عزوجل ـ فيهم : (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً) كما نقصكم قريش ، ولم يظاهروا عليكم كما ظاهرت قريش بني بكر على خزاعة ، وهم حلفاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم (٢).
قوله (فَمَا اسْتَقامُوا) يجوز في «ما» أن تكون مصدرية ظرفية ، وهي محل نصب على ذلك أي : فاستقيموا لهم مدة استقامتهم لكم ، ويجوز أن تكون شرطية ، وحينئذ ففي محلها وجهان :
أحدهما : أنها في محل نصب على الظرف الزماني ، والتقدير : أي زمان استقاموا لكم فاستقيموا لهم ، ونظره أبو البقاء بقوله : (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها) [فاطر : ٢].
والثاني : أنها في محل رفع بالابتداء ، وفي الخبر الأقوال المشهورة ، و (فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ) جواب الشرط ، وقد نحا إليه الحوفي ، ويحتاج إلى حذف عائد ، أي : أي زمان استقاموا لكم فاستقيموا لهم ، وقد جوز ابن مالك في «ما» المصدرية الزمانية أن تكون شرطية جازمة ، وأنشد على ذلك : [الطويل]
٢٧٥١ ـ فما تحي لا تسأم حياة. وإن تمت |
|
فلا خير في الدنيا ولا العيش أجمعا (٣) |
ولا دليل فيه ، لأن الظاهر الشرطية من غير تأويل بمصدرية وزمان.
قال أبو البقاء (٤) : «ولا يجوز أن تكون نافية ، لفساد المعنى ، إذ يصير المعنى
__________________
(١) أخرجه الطبري ف ي «تفسيره» (٦ / ٣٢٤) وذكره السيوطي ف ي «الدر المنثور» (٣ / ٣٨٦) وعزاه إلى ابن أبي حاتم وأبي الشيخ.
(٢) ذكره البغوي ف ي «تفسيره» (٢ / ٢٧٠)
(٣) البيت لعبد الله بن الزبير الأسدي ينظر : الأشموني ٤ / ١٢ الدر المصون ٣ / ٤٤٦.
(٤) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ٢ / ١٢.