فالجواب : أن قوله : (أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً) معناه أنهم جعلوه لأنفسهم أعجوبة يتعجّبون منها ، وعيّبوه ونصّبوه للاستهزاء والتعجّب إليه وليس في قوله : «أكان عند النّاس عجبا» هذا المعنى.
وقوله : (أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ) يعني : محمدا صلىاللهعليهوسلم.
قوله : (أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ) يجوز أن تكون المصدريّة ، وأن تكون التفسيريّة ، ثم لك في المصدريّة اعتباران :
أحدهما : أن تجعلها المخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير الأمر والشّأن محذوف.
كذا قال أبو حيّان (١) ، وفيه نظر من حيث إنّ أخبار هذه الحروف لا تكون جملة طلبيّة ، حتى لو ورد ما يوهم ذلك يؤوّل على إضمار القول ؛ كقول الشاعر : [البسيط]
٢٨٦٥ ـ ولو أصابت لقالت وهي صادقة |
|
إنّ الرّياضة لا تنصبك للشّيب (٢) |
وقول الآخر : [البسيط]
٢٨٦٦ ـ إنّ الذين قتلتم أمس سيّدهم |
|
لا تحسبوا ليلهم عن ليلكم ناما (٣) |
وأيضا فإنّ الخبر في هذا الباب إذا وقع جملة فعلية ، فلا بد من الفصل بأشياء تقدّمت في المائدة. ولكن ذلك الفاصل هنا متعذّر.
والثاني : أنّها التي بصدد أن تنصب الفعل المضارع ، وهي توصل بالفعل المتصرّف مطلقا ، نحو : «كتبت إليه بأن قم». وقد تقدم البحث فيه [النساء ٦٦] ، ولم يذكر المنذر به وذكر المبشّر به ؛ لأنّ المقام يقتضي ذلك ، وقدّم الإنذار على التّبشير ، لأنّ إزالة ما لا ينبغي مقدّم في الرتبة على ما لا ينبغي ، والإنذار للكفّار والفساق ليرتدعوا عن فعل ما لا ينبغي ، والتّبشير لأهل الطّاعة ؛ لتقوى رغبتهم فيها.
قوله : (أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ) «أنّ» وما في حيّزها هي المبشّر بها ، أي : بشّرهم باستقرار قدم صدق ، فحذفت الباء ، فجرى في محلّها المذهبان ، والمراد ب (قَدَمَ صِدْقٍ) : السابقة والفضل والمنزلة الرّفيعة ، وإليه ذهب الزجاج والزمخشريّ ؛ ومنه قول ذي الرّمّة : [الطويل]
٢٨٦٧ ـ لكم قدم لا ينكر النّاس أنّها |
|
مع الحسب العاديّ طمّت على البحر (٤) |
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٥ / ١٢٦ ـ ١٢٧.
(٢) البيت للجميح الأسدي ينظر : المفضليات ٣٤ والخزانة ٤ / ٢٩٥ والأمالي الشجرية ١ / ٣٣٢ وشرح الرضي ٢ / ٣٤٨ والدر المصون ٤ / ٤.
(٣) تقدم.
(٤) ينظر البيت في ديوانه ٣٦١ والبحر المحيط ٥ / ١٢٧ والقرطبي ٨ / ١٩٥ وروح المعاني ١١ / ٦٣ ولباب التأويل ٢ / ٣٨٤ وزاد المسير ٤ / ٦ والدر المصون ٤ / ٤.