(ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ) مبيّنا بذلك أنّ العبادة لا تصلح إلا له ، وأنه هو المستحقّ لجميع العبادات ، لأنه هو المنعم بجميع النّعم التي ذكرها.
ثم قال : (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) دالّا بذلك على وجوب التّفكّر في تلك الدّلائل القاهرة الباهرة.
قوله تعالى : (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) الآية.
لمّا ذكر الدّلائل الدّالة على إثبات المبدأ ، أردفه بما يدلّ على صحّة القول بالمعاد فقوله (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ) الرجع بمعنى الرجوع و «جميعها» نصب على الحال أي ذلك الرجوع يحصل حال الاجتماع وهذا يدل على أن المراد بالرجوع القيامة لا الموت. وقوله : (وَعْدَ اللهِ) منصوب على المصدر المؤكّد ؛ لأنّ معنى (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ) : وعدكم بذلك.
وقوله : «حقّا» مصدر آخر مؤكّد لمعنى هذا الوعد ، وناصبه مضمر ، أي : أحق ذلك حقّا.
وقيل : انتصب «حقّا» ب «وعد» على تقدير «في» ، أي : وعد الله في حق ، يعني على التّشبيه بالظروف. وقال الأخفش الصغير : التقدير : وقت حق ؛ وأنشد : [الطويل]
٢٨٧١ ـ أحقّا عباد الله أن لست ذاهبا |
|
ولا والجا إلّا عليّ رقيب (١) |
(إِنَّهُ يَبْدَؤُا) الجمهور على كسر الهمزة للاستئناف ، وقرأ عبد الله ، وابن (٢) القعقاع ، والأعمش ، وسهيل بن شعيب بفتحها ، وفيها تأويلات :
أحدها : أن تكون فاعلا بما نصب «حقّا» أي : حقّ حقّا بدء الخلق ، ثمّ إعادته ؛ كقوله : [الطويل]
٢٨٧٢ ـ أحقّا عباد الله أن لست جائيا |
|
......... (٣) |
البيت.
وهو مذهب الفرّاء ، فإنّه قال «والتقدير : يحقّ أنّه يبدأ الخلق».
والثاني : أنه منصوب بالفعل الذي نصب (وَعْدَ اللهِ) ، أي : وعد الله تعالى بدء الخلق ثم إعادته ، والمعنى : إعادة الخلق بعد بدئه.
__________________
(١) البيت لابن الدمينة ورواية الديوان :
أحقّا عباد الله أن لست صادرا |
|
ولا واردا إلّا عليّ رقيب |
ينظر : ديوانه (٩) والبحر المحيط ٥ / ١٢٩ والأشموني ٢ / ٢٣٥ والطبري ١٥ / ١٢ والكشاف ٢ / ٣٢٩ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٣٦٤ والدر المصون ٤ / ٦.
(٢) ينظر : إتحاف ٢ / ١٠٤ ، الكشاف ٢ / ٣٢٨ ـ ٣٢٩ ، المحرر الوجيز ٣ / ١٠٤ ، البحر المحيط ٥ / ١٢٩ ، الدر المصون ٤ / ٦.
(٣) تقدم تقريبا.