والنّشر ، شرح بعده أحوال من يكفر بها ، ومن يؤمن بها ؛ فأما شرح أحوال الكفّار ، فهو المذكور في هذه الآية ، وصفهم فيها بأربع صفات :
الأولى : قوله : (إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا)(١).
قال ابن عبّاس ، ومقاتل ، والكلبي : معناه : لا يخافون البعث ؛ لأنّهم لا يؤمنون به ، والرّجاء : الخوف ؛ لقوله : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها) [النازعات : ٤٥] ، وقوله : (وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ) [الأنبياء : ٤٩] ، وقوله : (ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً) [نوح : ١٣] ؛ وقال الهذليّ : [الطويل]
٢٨٧٨ ـ إذا لسعته النّحل لم يرج لسعها |
|
وخالفها في بيت نوب عواسل (٢) |
وقال الزّجّاج : الطّمع ؛ والمعنى : لا يطمعون في ثوابنا ، واعلم أنّ اللّقاء : هو الوصول إلى الشيء ، وهذا في حقّ الله ـ تعالى ـ محال ؛ لأنه منزّه عن الحدّ ؛ فوجب أن يكون مجازا عن الرّؤية ؛ فإنه يقال : لقيت فلانا ، إذا رأيته.
الصفة الثانية : قوله : (وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا ،) وهذه إشارة إلى استغراقهم في طلب اللّذات الجسمانيّة.
والصفة الثالثة : قوله : (وَاطْمَأَنُّوا بِها) يجوز أن يكون عطفا على الصّلة ، وهو الظاهر ، وأن تكون الواو للحال ، والتقدير : وقد اطمأنّوا. وهذه صفة الأشقياء ، وهي أن تحصل لهم الطّمأنينة في حبّ الدّنيا والاشتغال بلذّاتها ، فيزول عن قلوبهم الوجل ، فإذا سمعوا الإنذار والتّخويف لم توجل قلوبهم وصارت كالميتة عند ذكر الله ـ تعالى ـ ، وهذا بخلاف صفة السّعداء ، فإنّهم يحصل لهم الوجل عند ذكر الله ـ تعالى ـ ، كما قال : (إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) [الأنفال : ٢] ، ثمّ إذا قويت هذه الحالة اطمأنّوا بذكر الله ، كما قال : (وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد : ٢٨].
ومقتضى اللّغة أن يقال : واطمأنّوا إليها ، إلّا أنّ حروف الجرّ يحسن إقامة بعضها مقام البعض.
الصفة الرابعة : قوله : (وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ). يحتمل أن يكون من باب عطف الصفات ، بمعنى أنّهم جامعون بين عدم رجاء لقاء الله وبين الغفلة عن الآيات ، والمراد بالغفلة الإعراض ، وأن يكون هذا الموصول غير الأول ، فيكون عطفا على اسم «إنّ» ، أي : إنّ الّذين لا يرجون ، وإنّ الذين هم.
__________________
(١) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٧ / ٣٢).
(٢) ينظر البيت في ديوان الهذليين ١ / ١٤٣ ومجاز القرآن ١ / ٢٧٥ ، ٢ / ٧٣ واللسان (رجا) وتأويل مشكل القرآن ١٩١ والمذكر والمؤنث لابن الأنباري ١ / ٥٨٩ وإصلاح المنطق ١٤٢ والتفسير الكبير ١٧ / ٣٨ والقرطبي ٨ / ١٩٩ الأضداد لابن السكيت ص ١٧٩ المقاييس ٢ / ٤٩٥ المخصص ٨ / ١٧٨.