والثاني : أن تقديره : تعجيلا مثل استعجالهم ، ثم فعل به ما تقدّم قبله ، وهذا تقدير أبي البقاء ، فقدّر المحذوف مطابقا للفعل الذي قبله ؛ فإنّ «تعجيلا» مصدر ل «عجّل» ، وما ذكره مكّي موافق للمصدر الذي بعده.
والذي يظهر ؛ ما قدّره أبو البقاء ؛ لأنّ موافقة الفعل أولى ، ويكون قد شبّه تعجيله تعالى باستعجالهم ، بخلاف ما قدّره مكّي ، فإنّه لا يظهر ؛ إذ ليس «استعجال» مصدرا ل «عجّل» ، وقال الزمخشري : «أصله : ولو يعجّل الله للنّاس الشرّ تعجيله لهم الخير ، فوضع (اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ) موضع تعجيله لهم الخير ؛ إشعارا بسرعة إجابته لهم وإسعافه بطلبهم ، كأنّ استعجالهم بالخير تعجيل لهم» ، قال أبو حيّان : «ومدلول «عجّل» غير مدلول «استعجل» ؛ لأنّ «عجّل» يدلّ على الوقوع ، و «استعجل» يدلّ على طلب التّعجيل ، وذلك واقع من الله ـ تعالى ـ ، وهذا مضاف إليهم ، فلا يكون التقدير على ما قاله الزمخشري ، فيحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون التقدير : تعجيلا مثل استعجالهم بالخير ، فشبّه التّعجيل بالاستعجال ؛ لأنّ طلبهم للخير ، ووقوع تعجيله مقدّم عندهم على كلّ شيء.
والثاني : أن يكون ثمّ محذوف يدلّ عليه المصدر تقديره : ولو يعجّل الله للنّاس الشرّ ، إذا استعجلوا به استعجالهم بالخير ؛ لأنّهم كانوا يستعجلون بالشرّ ووقوعه على سبيل التّهكم ، كما كانوا يستعجلون بالخير».
الثالث : أنّه منصوب على إسقاط الخافض ، وهو كاف التّشبيه ، والتقدير : كاستعجالهم.
قال أبو البقاء : «وهو بعيد ؛ إذ لو جاز ذلك ، لجاز «زيد غلام عمرو» أي : كغلام عمرو». وبهذا ضعّفه جماعة ، وليس بتضعيف صحيح ؛ إذ ليس في المثال الذي ذكر فعل يتعدّى بنفسه عند حذف الجارّ ، وفي الآية فعل يصحّ فيه ذلك ، وهو قوله : «يعجل» ، وقال مكّي (١) : «ويلزم من يجوّز حذف حرف الجر منه ، أن يجيز «زيد الأسد» ، أي : كالأسد».
قال شهاب الدّين (٢) : «قوله : ويلزم ... إلى آخره» ، لا ردّ فيه على هذا القائل ، إذ يلتزمه ، وهو التزام صحيح سائغ ؛ إذ لا ينكر أحد «زيد الأسد» ، على معنى : كالأسد ، وعلى تقدير التّسليم ، فالفرق ما ذكره أبو البقاء ، أي : إنّ الفعل يطلب مصدرا مشبّها ، فصار مدلو لا عليه.
وقال بعضهم : تقديره : في استعجالهم ؛ نقله مكّي ، فلمّا حذفت «في» انتصب ، وهذا لا معنى له ، وقال البغوي : المعنى «ولو يعجّل الله إجابة دعائهم في الشرّ والمكروه استعجالهم بالخير ، أي : كما يحبّون استعجالهم بالخير».
__________________
(١) ينظر : المشكل ٢ / ٣٧٥.
(٢) ينظر : الدر المصون ٤ / ١١.