أحدهما : أنّه تأكيد للضمير المستتر في الظرف ، لقيامه مقام الفاعل ، كما تقدّم التنبيه عليه.
والثاني : أجازه ابن عطيّة ، وهو أن يكون مبتدأ ، و «شركاؤكم» معطوف عليه ، وخبره محذوف ، قال : «تقديره : أنتم وشركاؤكم مهانون ، أو معذبون» ، وعلى هذا فيوقف على قوله : «مكانكم» ثم يبتدأ بقوله : «أنتم» ، وهذا لا ينبغي أن يقال ، لأنّ فيه تفكيكا لأفصح كلام ، وتبتيرا لنظمه ، من غير داعية إلى ذلك ؛ ولأنّ قراءة من قرأ «وشركاءكم» نصبا ، تدل على ضعفه ، إذ لا تكون إلّا من الوجه الأوّل ؛ ولقوله : (فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ) ، فهذا يدلّ على أنّهم أمروا هم وشركاؤهم بالثّبات في مكان واحد ، حتى يحصل التّزييل بينهم.
وقال ابن عطية (١) أيضا : «ويجوز أن يكون «أنتم» تأكيدا للضمير الذي في الفعل المقدّر الذي هو «قفوا» ونحوه».
قال أبو حيّان (٢) : وهذا ليس بجيّد ، إذ لو كان تأكيدا لذلك الضمير المتصل بالفعل ، لجاز تقديمه على الظّرف ، إذ الظرف لم يتحمّل ضميرا على هذا القول ، فيلزم تأخيره عنه ، وهو غير جائز ، لا تقول : «أنت مكانك» ولا يحفظ من كلامهم.
والأصحّ : أنّه لا يجوز حذف المؤكّد في التّأكيد المعنويّ ، فكذا هذا ؛ لأنّ التأكيد ينافي الحذف ، وليس من كلامهم : «أنت زيدا» لمن رأيته قد شهر سيفا ، وأنت تريد «اضرب أنت زيدا» ، إنّما كلام العرب : «زيدا» تريد : اضرب زيدا.
قال شهاب الدّين : «لم يعن ابن عطيّة ، أنّ «أنت» تأكيد لذلك الضمير في «قفوا» من حيث إنّ الفعل مراد غير منوب عنه ؛ بل لأنّه ناب عنه هذا الظرف ، فهو تأكيد له في الأصل ؛ قبل النّيابة عنه بالظرف ، وإنّما قال : الذي هو «قفوا» تفسيرا للمعنى المقدر». وقرأت فرقة (٣) «وشركاءكم» نصبا على المعيّة ، والنّاصب له اسم الفعل.
قوله : «فزيّلنا» ، أي : فرّقنا وميّزنا ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا) [الفتح : ٢٥].
واختلفوا في «زيّل» هل وزنه فعّل أو فيعل؟.
والظاهر الأول ، والتضعيف فيه للتّكثير ، لا للتّعدية ، لأنّ ثلاثيه متعدّ بنفسه ، حكى الفراء : «زلت الضّأن من المعز ، فلم تزل» ويقال زلت الشّيء من مكانه أزيله ، وهو على هذا من ذوات الياء.
والثاني : أنه فيعل كبيطر وبيقر ، وهو من زال يزول ، والأصل : «زيولنا» ، فاجتمعت الياء والواو ، وسبقت إحداهما بالسّكون ، فأعلت بقلب الواو ياء ، وإدغام الياء فيها ، ك
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ١١٧.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٥ / ١٥٤.
(٣) ينظر : الكشاف ٢ / ٣٤٣ ، البحر المحيط ٥ / ١٥٣ ، الدر المصون ٤ / ٢٧.