القول ، يكون خبر «كان» محذوفا ، و «أن» وما في حيّزها ، متعلقة بذلك الخبر ، وقد تقدّم تحرير ذلك [البقرة ١٤٣] ، و (مِنْ دُونِ اللهِ) متعلّق ب «يفترى» والقائم مقام الفاعل ضمير عائد على القرآن.
قوله : (وَلكِنْ تَصْدِيقَ) : عطف على خبر «كان» ، ووقعت «لكن» هنا أحسن موقع ؛ إذ هي بين نقيضين : وهما التكذيب ، والتّصديق المتضمّن للصدق. وقرأ الجمهور : «تصديق» و «تفصيل» بالنصب ، وفيه أوجه :
أحدها : العطف على خبر «كان» كما تقدّم ، ومثله : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ) [الأحزاب : ٤].
والثاني : أنّه خبر «كان» مضمرة ، تقديره : ولكن كان تصديق ، وإليه ذهب الكسائيّ ، والفرّاء ، وابن سعدان ، والزجاج ، وهذا كالذي قبله في المعنى.
والثالث : أنّه منصوب على المفعول من أجله لفعل مقدّر ، أي : وما كان هذا القرآن أن يفترى ، ولكن أنزل للتّصديق.
والرابع : أنه منصوب على المصدر بفعل مقدّر أيضا ، والتقدير : ولكن يصدّق تصديق الذي بين يديه من الكتب.
وقرأ عيسى (١) بن عمر : «تصديق» بالرفع ، وكذلك التي في يوسف ، ووجهه الرّفع على خبر مبتدأ محذوف ، أي : ولكن هو تصديق ؛ ومثله قول الشاعر : [الوافر]
٢٩٠٣ ـ ولست الشّاعر السّفساف فيهم |
|
ولكن مدره الحرب العوان (٢) |
برفع «مدره» ، على تقدير : أنا مدره.
وقال مكي (٣) : «ويجوز عندهما ـ أي الكسائي والفرّاء ـ. الرّفع على تقدير : ولكن هو تصديق» ، وكأنّه لم يطّلع على أنّها قراءة ، وقد ورد في قراءات السّبعة : التّخفيف ، والتّشديد في «لكن» ، نحو : (وَلكِنَّ الشَّياطِينَ) [البقرة : ١٠٢] ، (وَلكِنَّ اللهَ رَمى) [الأنفال : ١٧].
قوله : (لا رَيْبَ فِيهِ) : فيه أوجه :
أحدها : أن يكون حالا من «الكتاب» وجاز مجيء الحال من المضاف إليه ؛ لأنّه مفعول في المعنى ، والمعنى : وتفصيل الكتاب منتفيا عنه الرّيب.
والثاني : أنّه مستأنف فلا محلّ له من الإعراب.
__________________
(١) ينظر : إتحاف ٢ / ١١١ ، الكشاف ٢ / ٣٤٧ ، البحر المحيط ٥ / ١٥٩ ، الدر المصون ٤ / ٣٣.
(٢) ينظر البيت في البحر المحيط ٥ / ١٥٩ والدر المصون ٤ / ٣٣.
(٣) ينظر : المشكل ١ / ٣٨٢.