رؤية القلب التي بمعنى العلم ؛ لأنها داخلة على الجملة من الاستفهام التي معناها : التقرير ، وجواب الشرط محذوف ، وتقدير الكلام : أرايتم ما يستعجل من العذاب المجرمون ، إن أتاكم عذابه» انتهى. فهذا ظاهر في أن «أرايتم» غير مضمنة معنى الإخبار ، وأن الجملة الاستفهامية سدت مسد المفعولين ، ولكن المشهور الأول. قوله : (ما ذا يَسْتَعْجِلُ) قد تقدم الكلام على هذه الكلمة ، ومذاهب الناس فيها [البقرة ٢٦] ، وجوز بعضهم هنا أن تكون «ما» مبتدأ ، و «ذا» خبره ، وهو موصول بمعنى : «الذي» ، و «يستعجل» صلته ، وعائده محذوف تقديره : أي شيء الذي يستعجله منه ، أي : من العذاب ، أو من الله ـ تعالى ـ.
وجوز مكي ، وغيره : أن يكون «ما ذا» كله مبتدأ ، أي : يجعل الاسمان بمنزلة اسم واحد ، والجملة بعده خبر ، قال أبو علي : «وهو ضعيف ؛ لخلو الجملة من ضمير يعود على المبتدأ».
وقد أجاب أبو البقاء عن هذا ، فقال (١) : «ورد هذا القول بأن الهاء في «منه» تعود على المبتدأ ؛ كقولك : زيد أخذت منه درهما».
قال شهاب الدين (٢) : «ومثل أبي علي لا يخفى عليه مثل ذلك ، إلا أنه لا يرى عود الهاء على الموصول ؛ لأن الظاهر عودها على العذاب».
قال أبو حيان (٣) : «والظاهر عود الضمير في «منه» على العذاب ، وبه يحصل الربط لجملة الاستفهام بمفعول «أرايتم» المحذوف الذي هو مبتدأ في الأصل».
وقال مكي : «وإن شئت جعلت «ما» و «ذا» بمنزلة اسم واحد في موضع رفع بالابتداء ، والجملة التي بعده الخبر ، والهاء في «منه» تعود أيضا على العذاب».
قال شهاب الدين (٤) : «فقد ترك المبتدأ بلا رابط لفظي ، حيث جعل الهاء عائدة على غير المبتدأ ، فيكون العائد عنده محذوفا ، لكنه قال بعد ذلك : «فإن جعلت الهاء في «منه» تعود على الله ـ جل ذكره ـ ، و «ما» و «ذا» اسما واحدا ، كانت «ما» في موصع نصب ب «يستعجل» والمعنى : أي شيء يستعجل المجرمون من الله» فقوله هذا يؤذن بأن الضمير لما عاد على غير المبتدأ ، جعله مفعولا مقدما ، وهذا الوجه بعينه جائز فيما إذا جعل الضمير عائدا على العذاب. ووجه الرفع على الابتداء جائز ، فيما إذا جعل الضمير عائدا على الله ـ تعالى ـ ، إذ العائد الرابط مقدر ، كما تقدم التنبيه عليه».
حاصل الجواب : أن يقال لأولئك الكفار الذين يطلبون نزول العذاب : بتقدير أن يحصل هذا المطلوب ، ما الفائدة لكم فيه؟ فإن قلتم نؤمن عنده ، فذلك باطل ؛ لأن
__________________
(١) ينظر : الإملا لأبي البقاء ١ / ٢٩.
(٢) ينظر : الدر المصون ٤ / ٤٠.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٥ / ١٦٥.
(٤) ينظر : الدر المصون ٤ / ٤١.