الدال على تكذيبك ، وحذف الصفة ، وإبقاء الموصوف قليل ، بخلاف عكسه.
وقيل : بل هو عام أريد به الخاص.
ثم ابتدأ فقال : (إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ) ، العامة على كسر «إن» ، استئنافا ، وهو مشعر بالعلية.
وقيل : هو جواب سؤال مقدر ؛ كأن قائلا قال : لم لا يحزنه قولهم ، وهو مما يحزن؟ فأجيب بقوله : (إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) ، ليس لهم منها شيء ، فكيف تبالي بقولهم؟.
والوقف على قوله : «قولهم» ينبغي أن يعتمد ، ويقصد ، ثم يبتدأ بقوله : (إِنَّ الْعِزَّةَ) وإن كان من المستحيل أن يتوهم أحد أن هذا من مقولهم ، إلا من لا يعتبر بفهمه ، وقرأ أبو (١) حياة «أن العزة» بفتح «أن» وفيها تخريجان :
أحدهما : أنها على حذف لائم العلة ، أي : لا يحزنك قولهم ؛ لأجل أن العزة لله جميعا.
الثاني : أن «أن» وما في حيزها بدل من «قولهم» كأنه قيل : ولا يحزنك أن العزة لله ، وكيف يظهر هذا التوجيه ، أو يجوز القول به ، وكيف ينهى رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن ذلك في المعنى ، وهو لم يتعاط شيئا من تلك الأسباب؟ وأيضا ؛ فمن أي قبيل الإبدال هذا؟ قال الزمخشري : «ومن جعله بدلا من «قولهم» ثم أنكره ، فالمنكر هو تخريجه ، لا ما أنكره من القراءة به». يعني : أن إنكاره للقراءة منكر ؛ لأن معناها صحيح على ما ذكر من التعليل ، وإنما المنكر هذا التخريج ، وقد أنكر جماعة هذه القراءة ، ونسبوها للغلط ولأكثر منه.
قال القاضي : «فتحها شاذ يقارب الكفر ، وإذا كسرت كان استئنافا ، وهذا يدل على فضيلة علم الإعراب».
وقال ابن قتيبة : لا يجوز فتح «إن» في هذا الموضع وهو كفر وغلو.
قال أبو حيان : وإنما قالا ذلك بناء منهما على أن «أن» معمولة ل «قولهم».
قال شهاب الدين كيف تكون معمولة ل «قولهم» وهي واجبة الكسر بعد القول إذا حكيت به ، فكيف يتوهم ذلك؟ وكما لا يتوهم هذا المعنى مع كسرها ، لا يتوهم أيضا مع فتحها ما دائم له وجه صحيح.
و «جميعا» حال من العزة ، ويجوز أن يكون توكيدا ولم يؤنث بالتاء ؛ لأن فعيلا يستوي فيه المذكر والمؤنث ، لشبهه بالمصادر ، وقد تقدم تحريره في قوله : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف : ٥٦].
__________________
(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٣٥٧ ، المحرر الوجيز ٣ / ١٢٩ ، البحر المحيط ٥ / ١٧٤ ، الدر المصون ٤ / ٥٠.