ثم قال : (وَلكِنْ أَعْبُدُ اللهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ) يميتكم ، ويقبض أرواحكم.
فإن قيل : ما الحكمة في وصف المعبود ههنا بقوله : (الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ)؟.
فالجواب : من وجوه :
الأول : أنّ المعنى أني أعبد الله الذي خلقكم أولا ، ثم يتوفّاكم ثانيا ثم يعيدكم ثالثا ، فاكتفى بذكر التوفي لكونه منبّها على البواقي.
الثاني : أنّ الموت أشدّ الأشياء مهابة ، فخص هذا الوصف بالذكر ههنا ، ليكون أقوى في الزّجر والرّدع.
الثالث : أنّهم لمّا استعجلوا نزول العذاب قال تعالى : (فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا) وهذا يدلّ على أنّه تعالى يهلك أولئك الكفار ، ويبقي المؤمنين ويقوي دولتهم ، فلمّا كان قريب العهد بذكر هذا الكلام لا جرم قال ههنا : (وَلكِنْ أَعْبُدُ اللهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ) وهو إشارة إلى ما قرّره وبيّنه في تلك الآية كأنه يقول : أعبد الله الذي وعدني بإهلاككم ، وإبقائي بعدكم.
قوله : (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ،) قال الزمخشري : أصله بأن أكون ، فحذف الجارّ ، وهذا الحذف يحتمل أن يكون من الحذف المطرد الذي هو حذف الحروف الجارّة مع أن وأنّ ، وأن يكون من الحذف غير المطّرد ؛ وهو كقوله : [البسيط]
٢٩٣٩ ـ أمرتك الخير ......... |
|
......... (١) |
(فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) [الحجر : ٩٤] يعنى : بغير المطّرد أنّ حذف حرف الجر مسموع في أفعال لا يجوز القياس عليها ، وهي : أمر ، واستغفر ، كما تقدم [الأعراف ١٥٥] ، وأشار بقوله «أمرتك» إلى البيت المشهور : [البسيط]
٢٩٤٠ ـ أمرتك الخير فافعل ما أمرت به |
|
......... (٢) |
وقد قاس ذلك بعض النّحويّين ، ولكن يشترط أن يتعيّن ذلك الحرف ، ويتعيّن موضعه أيضا ، وهو رأي علي بن سليمان فيجيز «بريت القلم السكين» بخلاف «صككت الحجر بالخشبة».
قوله (وَأَنْ أَقِمْ) يجوز أن يكون على إضمار فعل أي : وأوحي إليّ أن أقم ، ثم لك في «أن» وجهان أحدهما : أن تكون تفسيرية لتلك الجملة المقدّرة ، كذا قاله أبو حيان ، وفيه نظر ، إذ المفسّر لا يجوز حذفه ، وقد ردّ هو بذلك في موضع غير هذا ، والثاني : أن تكون المصدرية ، فتكون هي وما في خبرها في محلّ رفع بذلك الفعل المقدر ، ويحتمل أن تكون «أن» مصدرية فقط ، وهي على هذا معمولة لقوله : أمرت مراعى فيها معنى
__________________
(١) تقدم.
(٢) تقدم.