لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ) أي : ما ينبغي للمشركين أن يعمروا مساجد الله ، أوجب على المسلمين منعهم من ذلك ؛ لأنّ المساجد تعمر لعبادة الله وحده (١).
واعلم أنّ عمارة المسجد قسمان :
إمّا بلزومها وكثرة إتيانها ، يقال : فلان يعمر مجلس فلان إذا كثر غشيانه ، وإمّا بالعمارة المعروفة بالبناء ، فإن كان المراد هو الثاني كان المعنى أنّه ليس للكافر أن يقدم على مرمّة المسجد ، لأنّ المسجد موضع العبادة ، فيجب أن يعظم ، والكافر يهينه ، وأيضا فالكافر نجس في الحكم ، لقوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) [التوبة : ٢٨] ، وتطهير المسجد واجب ، لقوله تعالى : (أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ) [البقرة : ١٢٥] ، وأيضا فالكافر لا يحترز من النّجاسة ، فدخوله المسجد تلويث للمسجد ، وقد يؤدّي إلى فساد عبادة المصلين.
وأيضا إقدامه على مرمة المسجد يجري مجرى الإنعام على المصلين ، ولا يجوز أن يصير الكافر صاحب المنّة على المسلمين ، وقد ذهب جماعة منهم الواحديّ ؛ إلى أنّ المراد منه : العمارة المعروفة من بناء المسجد ، ومرمته عند الخراب ، فيمنع منه الكافر ، حتى ولو أوصى بها لم تقبل ، ويمنع من دخول المساجد ، وإن دخل بغير إذن استحق التعزير ، وإن دخل بإذن لم يعزر ، والأولى تعظيم المساجد ، ومنعهم منها ، وقد أنزل رسول الله صلىاللهعليهوسلم وفد ثقيف في المسجد وهم كفّار ، وشد ثمامة بن أثال الحنفي في سارية من سواري المسجد ، وهو كافر ، وحمل بعضهم العمارة على المسجد على الوجه الأول.
(أَنْ يَعْمُرُوا) اسم «كان». قرأ ابن (٢) السميفع «يعمروا» بضم الياء وكسر الميم ، من : «أعمر» رباعيا ، والمعنى : أن يعينوا على عمارته. وقرأ (٣) ابن كثير ، وأبو عمرو «مسجد الله» بالإفراد ، وهي تحتمل وجهين ، أن يراد به مسجد بعينه ، وهو المسجد الحرام ، لقوله (وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) [التوبة : ١٩] ، وأن يكون اسم جنس ، فيندرج فيه سائر المساجد ، ويدخل المسجد الحرام دخولا أوليّا وقرأ (٤) الباقون : «مساجد» بالجمع ، وهي أيضا محتملة للأمرين ، ووجه الجمع إمّا لأنّ كلّ بقعة من المسجد الحرام يقال لها : مسجد ، وإمّا لأنه قبلة سائر المساجد ، فصحّ أن يطلق عليه لفظ الجمع لذلك.
[قال الفرّاء : ربما ذهب العرب بالواحد إلى الجمع ، وبالجمع إلى الواحد ألا ترى إلى الرجل يركب البرذون ؛ فيقول : أخذت في ركوب البراذين ، وفلان يجالس الملوك ، وهو لا يجلس إلا مع ملك واحد ، ويقال : فلان كثير الدرهم والدينار يريد : الدراهم والدنانير](٥).
__________________
(١) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٢٧٣) والرازي في «التفسير الكبير» (١٦ / ٧) عن ابن عباس.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٢٠ ، الدر المصون ٣ / ٤٥٣.
(٣) ينظر : السبعة ص (٣١٣) ، الحجة ٤ / ١٧٨ ـ ١٨٠ ، حجة القراءات ص (٣١٦) ، إعراب القراءات ١ / ٢٣٦ ، النشر ٢ / ٢٨٧ ، إتحاف ٢ / ٨٨.
(٤) انظر السابق.
(٥) سقط في ب.