أحدهما : أنّه منصوب على المصدر بحذف الزّوائد ، إذ التقدير : تمتيعا ، فهو كقوله : (أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) [نوح : ١٧].
والثاني : أن ينصب على المفعول به ، والمراد بالمتاع اسم ما يتمتّع به ، فهو كقولك : «متعت زيدا أثوابا».
قال المفسّرون : يعيشكم عيشا في خفض ودعة وأمن وسعة (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) إلى حين الموت. فإن قيل : أليس أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «الدّنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر»؟.
وقال أيضا : «خصّ البلاء بالأنبياء ثمّ الأولياء فالأمثل فالأمثل».
وقال تعالى : (وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ) [الزخرف : ٣٣] فدلّت هذه النّصوص على أنّ نصيب المؤمن المطيع عدم الرّاحة في الدّنيا ، فكيف الجمع بينهما؟.
فالجواب من وجوه :
الأول : أنّ المعنى لا يعذّبهم بعذاب الاستئصال كما استأصل أهل القوّة من الكفّار.
الثاني : أنّه تعالى يوصل إليهم الرزق كيف كان ، وإليه الإشارة بقوله : (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ) [طه : ١٣٢].
الثالث : أنّ المشتغل بالعبادة مشتغل بحب شيء يمتنع تغيره وزواله وفناؤه ، وكلما كان تمكنه في هذا الطريق أتم كان انقطاعه عن الخلق أتمّ وأكمل ، وكلما كان الكمال في هذا الباب أكثر كان الابتهاج والسرور أكمل ؛ لأنّه أمن من تغير مطلوبه ، وأمن من زوال محبوبه.
وأمّا من اشتغل بحبّ غير الله ، كان أبدا في ألم الخوف من فوات المحبوب وزواله ؛ فكان عيشه منغّصا وقلبه مضطربا ، ولذلك قال تعالى في حق المشتغلين بخدمته (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً) [النحل : ٩٧].
فإن قيل : هل يدل قوله (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) على أنّ للعبد أجلين ، وأنّه يقع في ذلك التقديم والتّأخير؟.
فالجواب : لا ، ومعنى الآية أنّه تعالى حكم بأنّ هذا العبد لو اشتغل بالعبادة لكان أجله في الوقت الفلاني ، ولو أعرض عنها لكان أجله في وقت آخر ، لكنّه تعالى عالم بأنّه يشتغل بالعبادة ، فلا جرم أنّه كان عالما بأنّ أجله ليس إلّا في ذلك الوقت المعيّن ؛ فثبت أنّ لكلّ إنسان أجلا واحدا.
وسمى منافع الدّنيا متاعا ، تنبيها على حقارتها وقلّتها ، وأنّها منقضية بقوله تعالى (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى).
قوله : (وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) «كلّ» مفعول أوّل ، و «فضله» مفعول ثان.