وقد تقدّم للسّهيلي خلاف في ذلك. والضّمير في «فضله» يجوز أن يعود على الله تعالى ، أي : يؤتي كلّ صاحب فضل فضله ، أي : ثوابه ، وأن يعود على لفظ «كلّ» ، أي : يعطي كلّ صاحب فضل جزاء فضله ، لا يبخس منه شيئا ، أي : جزاء عمله.
قال المفسّرون : ويعطي كل ذي عمل صالح في الدنيا أجره وثوابه في الآخرة.
وقال أبو العالية : من كثرت طاعته في الدنيا زادت درجاته في الجنّة ؛ لأنّ الدّرجات تكون بالأعمال.
وقال ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ : «من زادت حسناته على سيّئاته دخل الجنّة ، ومن (١) زادت سيئاته على حسناته ، دخل النّار ، ومن استوت حسناته وسيئاته ، كان من أهل الأعراف ، ثم يدخلون الجنة» (٢).
ثم قال : (وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ) وهو يوم القيامة.
وقرأ الجمهور «تولّوا» بفتح التّاء والواو واللّام المشدّدة ، وفيها احتمالان :
أحدهما : أنّ الفعل مضارع تولّى وحذف منه إحدى التاءين تخفيفا نحو : «تنزّل».
وقد تقدّم أيتهما المحذوفة ، وهذا هو الظّاهر. ولذلك جاء الخطاب في قوله : «عليكم».
والثاني : أنّه فعل ماض مسند لضمير الغائبين ، وجاء الخطاب على إضمار القول ، أي : فقل لهم : إنّي أخاف عليكم ، ولو لا ذلك لكان التركيب : فإنّي أخاف عليهم.
وقرأ اليماني وعيسى بن عمر (٣) : «تولّوا» بضمّ التّاء ، وفتح الواو وضم اللام ، وهو مضارع «ولّى» ؛ كقولك : زكّى يزكّي.
ونقل صاحب اللّوامح عن اليماني وعيسى بن عمر : (وَإِنْ تَوَلَّوْا) بثلاث ضمّات مبنيا للمفعول ، ولم يبين ما هو ولا تصريفه؟ وهو فعل ماض ، ولمّا بني للمفعول ضمّ أوله على الفاعل ، وضمّ ثانيه أيضا ؛ لأنّه مفتتح بتاء مطاوعة ، وكلّ ما افتتح بتاء مطاوعة ضمّ أوله وثانيه ، وضمّت اللام أيضا ، وإن كان أصلها الكسر لأجل واو الضمير ، والأصل «تولّيوا» نحو : تدحرجوا ، فاستثقلت الضّمة على الياء ، فحذفت فالتقى ساكنان ؛ فحذفت الياء ، لأنّها أولهما ؛ فبقي ما قبل واو الضّمير مكسورا فضمّ ليجانس الضمير ؛ فصار وزنه «تفعّوا» بحذف لامه ، والواو قائمة مقام الفاعل.
وقرأ الأعرج (٤) «تولوا» بضمّ التاء وسكون الواو وضم اللام مضارع «أولى» ، وهذه القراءة لا يظهر لها معنى طائل هنا ، والمفعول محذوف يقدّر لائقا بالمعنى.
__________________
(١) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٣٧٣).
(٢) انظر المصدر السابق.
(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ١٥٠ والبحر المحيط ٥ / ٢٠٢ والدر المصون ٤ / ٧٧.
(٤) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٢٠٢ والدر المصون ٤ / ٧٧.