وقيل : تقديره : وخلقكم ليبلوكم.
والثاني : أنها متعلقة ب «خلقكم».
قال الزمخشريّ (١) : أي : خلقهنّ لحكمة بالغة وهي أن يجعلها مساكن لعباده وينعم عليهم فيها بصنوف النّعم ويكلّفهم فعل الطّاعات واجتناب المعاصي ، فمن شكر وأطاع أثابه ، ومن كفر وعصى عاقبة ، ولمّا أشبه ذلك اختبار المختبر قال «ليبلوكم» ، يريد : ليفعل بكم ما يفعل المبتلي. واعلم أنه لمّا بين أنه إنما خلق هذا العالم لأجل ابتلاء المكلّفين وامتحانهم وجب القطع بحصول الحشر والنشر ؛ لأنّ الابتلاء والامتحان يوجب الرّحمة والثّواب للمحسن والعقاب للمسيء ، وذلك لا يتمّ إلّا بالاعتراف بالمعاد والقيامة ، فعند هذا خطاب محمدا صلىاللهعليهوسلم وشرف ، وكرم ومجد وبجل ، وعظم ، وقال : (وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) أي : إنكم تنكرون هذا الكلام ، وتحكمون بفساد القول بالبعث.
قوله : (أَيُّكُمْ أَحْسَنُ) مبتدأ وخبر في محلّ نصب بإسقاط الخافض ؛ لأنّه متعلق بقوله «ليبلوكم».
قال الزمخشريّ : فإن قلت : كيف جاز تعليق فعل البلوى؟ قلت : لما في الاختبار من معنى العلم ؛ لأنّه طريق إليه فهو ملابس له كما تقول : انظر أيّهم أحسن وجها ، واسمع أيّهم أحسن صوتا ؛ لأنّ النّظر والاستماع من طرق العلم ؛ لأنّه طريق إليه ، فهو ملابس له ، وقد أخذه أبو حيّان في تمثيله بقوله : (وَاسْتَمِعْ) فقال : «لم أعلم أحدا ذكر أنّ «استمع» يعلق ، وإنما ذكروا من غير أفعال القلوب «سل» ، و «انظر» وفي جواز تعليق «رأى» البصرية خلاف».
قوله : (وَلَئِنْ قُلْتَ) هذه لام التّوطئة للقسم ، و «ليقولنّ» جوابه ، وحذف جواب الشّرط لدلالة جواب القسم عليه ، و «إنّكم» محكيّ بالقول ، ولذلك كسرت في قراءة الجمهور.
وقرىء بفتحها (٢) ، وفيها تأويلان ذكرهما الزمخشري :
أحدهما : أنها بمعنى «لعلّ» قال : من قولهم : ائت السوق أنك تشتري لحما ، أي : لعلّك ، أي : ولئن قلت لهم : لعلكم مبعوثون بمعنى توقّعوا بعثكم وظنّوه ، ولا تبتّوا القول بإنكاره ، لقالوا.
والثاني : أن تضمّن قلت معنى : «ذكرت» يعني ففتح الهمزة ، لأنّها مفعول «ذكرت» قوله : (إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ) قد تقدّم أنّه قرىء «سحر» و «ساحر» ، فمن قرأ «سحر» ف «هذا» إشارة إلى البعث المدلول عليه بما تقدّم ، أو إشارة إلى القرآن ، لأنّه ناطق بالبعث ومن قرأ
__________________
(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٣٨٠.
(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ٣٨٠ والدر المصون ٤ / ٨١.