بوصفيه بشيء واحد بوصفيه ، وحينئذ يكون قوله : (كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ) وقوله : (وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ) من باب عطف الصفات ؛ كقوله : [المتقارب]
٢٩٥٨ ـ إلى الملك القرم وابن الهمام |
|
وليث الكتيبة في المزدحم (١) |
وقد أحسن الزمخشريّ في التّعبير عن ذلك فقال : شبّه فريق الكافرين بالأعمى والأصم وفريق المؤمنين بالبصير والسّميع ، وهو من اللفّ والطّباق ، وفيه معنيان : أن يشبّه الفريقين تشبيهين اثنين ، كما شبّه امرؤ القيس قلوب الطّير بالحشف والعنّاب ، وأن يشبّه بالذي جمع بين العمى والصّمم ، والذي جمع بين البصر والسّمع ، على أن تكون الواو في (وَالْأَصَمِّ) وفي (وَالسَّمِيعِ) لعطف الصّفة على الصفة كقوله : [السريع]
٢٩٥٩ ـ ......... الص |
|
صابح فالغانم فالآيب (٢) |
يريد بقوله : «اللّف» أنه لفّ المؤمنين ، والكافرين اللّذين هما مشبّهان بقوله : «الفريقين» ولو فسّرهما لقال : مثل الفريق المؤمن كالبصير والسّميع ، ومثل الكافر كالأعمى والأصم ، وهي عبارة مشهورة في علم البيان : لفظتان متقابلتان ، اللّفّ والنشر ، أشار لقول امرىء القيس: [الطويل]
٢٩٦٠ ـ كأنّ قلوب الطّير رطبا ويابسا |
|
لدى وكرها العنّاب والحشف البالي (٣) |
أصل الكلام : كأنّ الرّطب من قلوب الطّير : العنّاب ، واليابس منها : الحشف ، فلفّ ونشر ، وللفّ والنشر في علم البيان تقسيم كثير ، ليس هذا موضعه.
وأشار بقوله : «الصّابح فالغانم» إلى قوله : [السريع]
٢٩٦١ ـ يا ويح زيّابة للحارث الص |
|
صابح فالغانم فالآيب (٤) |
وقد تقدّم ذلك في أول البقرة.
فإن قيل : لم قدّم تشبيه الكافر على المؤمن؟.
فالجواب : لأنّ المتقدّم ذكر الكفّار ، فلذلك قدّم تمثيلهم.
فإن قيل : ما الحكمة في العدول عن هذا التركيب لو قيل : كالأعمى والبصير ، والأصم والسّميع ، لتتقابل كلّ لفظة مع ضدها ، ويظهر بذلك التّضادّ؟.
فالجواب : بأنّه تعالى لمّا ذكر انسداد العين أتبعه بانسداد الأذن ، ولمّا ذكر انفتاح العين أتبعه بانفتاح الأذن ، وهذا التّشبيه أحد الأقسام ، وهو تشبيه أمر معقول بأمر
__________________
(١) تقدم.
(٢) تقدم.
(٣) ينظر ديوانه ص ٣٨ وشرح التصريح ١ / ٣٨٢ وشرح شواهد المغني ١ / ٣٤٢ ، ٢ / ٥٩٥ ، ٨١٩ واللسان (أدب) والمصنف ٢ / ١١٧ وأوضح المسالك ٢ / ٣٢٩ ومغني اللبيب ١ / ٢١٨ ، ٢ / ٣٩٢ ، ٤٣٩ ودلائل الإعجاز (٦٦) وروح المعاني ١٣ / ٣٤. الدر المصون ٤ / ٩٠.
(٤) تقدم.