صريحة مكان الهمزة. فأما الهمز فمعناه : أول الرّأي ، أي : أنّه صادر عن غير رويّة وتأمّل ، بل من أول وهلة. وأمّا من لم يهمز ؛ فيحتمل أن يكون أصله كما تقدّم ، ويحتمل أن يكون من بدا يبدو أي ظهر ، والمعنى : ظاهر الرّأي دون باطنه ، أي : لو تؤمّل لعرف باطنه ، وهو في المعنى كالأول.
وفي انتصابه على كلتا القراءتين سبعة أوجه :
أحدها : أنّه منصوب على الظّرف وفي العامل فيه على هذا ثلاثة أوجه :
أحدها : «نراك» ، أي : وما نراك في أول رأينا ، على قراءة أبي عمرو ، أو فيما يظهر لنا من الرأي في قراءة الباقين.
والثاني ـ من الأوجه الثلاثة ـ : أن يكون منصوبا ب «اتّبعك» ، أي : ما نراك اتّبعك أول رأيهم ، أو ظاهر رأيهم ، وهذا يحتمل معنيين :
أحدهما : أن يريدوا اتبعوك في ظاهر أمرهم ، وبواطنهم ليست معك.
والثاني : أنّهم اتّبعوك بأول نظر ، وبالرّأي البادي دون تثبّت ، ولو تثبتوا لما اتّبعوك.
الثالث ـ من الأوجه الثلاثة ـ أنّ العامل فيه «أراذلنا» والمعنى : أراذلنا بأول نظر منهم أو بظاهر الرّأي نعلم ذلك ، أي : إنّ رذالتهم مكشوفة ظاهرة لكونهم أصحاب حرف دنيّة.
والرّأي على هذا من رأي العين لا من رأي القلب ، ويتأكّد هذا بما نقل عن مجاهد أنّه قر أ«إلا الذين هم أراذلنا بادي رأي العين».
ثم القائل بكون «بادي» ظرفا يحتاج إلى اعتذار ، فإنّه اسم فاعل وليس بظرف في الأصل ، قال مكيّ : وإنّما جاز أن يكون فاعل ظرفا كما جاز ذلك في «فعيل» نحو : قريب ومليء ، و «فاعل وفعيل» متعاقبان ك : راحم ورحيم ، وعالم وعليم ، وحسن ذلك في «فاعل» لإضافته إلى الرأي ، والرأي يضاف إليه المصدر ، وينتصب المصدر معه على الظّرف نحو : «أمّا جهد رأي فإنّك منطلق» أي : «في جهد».
قال الزمخشريّ (١) : وانتصابه على الظّرف ، أصله : وقت حدوث أوّل أمرهم ، أو وقت حدوث ظاهر رأيهم ، فحذف ذلك وأقيم المضاف إليه مقامه.
الوجه الثاني ـ من السبّعة ـ : أن ينتصب على المفعول به ، حذف معه حرف الجر مثل : (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ) [الأعراف : ١٥٥].
وفيه نظر من حيث إنّه ليس هنا فعل صالح للتعدّي إلى اثنين ، إلى ثانيهما بإسقاط الخافض.
__________________
(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٣٨٨.