قوله : «فعمّيت» قرأ الأخوان وحفص بضمّ العين وتشديد الميم ، والباقون (١) بالفتح ، والتخفيف. فأمّا القراءة الأولى فأصلها : عماها الله عليكم ، أي : أبهمها عقوبة لكم ، ثمّ بني الفعل لما لم يسمّ فاعله ، فحذف فاعله للعلم به وهو الله تعالى ، وأقيم المفعول وهو ضمير الرّحمة مقامه ويدل على ذلك قراءة أبيّ بهذا الأص ل «فعماها الله عليكم».
وروى عنه أيضا وعن الحسن (٢) وعليّ والسّلمي «فعماها» من غير ذكر فاعل لفظي.
وروى عن الأعمش وابن وثاب (٣) «وعميت» بالواو دون الفاء.
وأمّا القراءة الثانية فإنّه أسند الفعل إليها مجازا.
قال الزمخشريّ : فإذا قلت : ما حقيقته؟ قلت : حقيقته أن الحجة كما جعلت بصيرة ومبصرة ، قال تعالى : (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً) [النمل : ١٣] جعلت عمياء ، قال تعالى : (فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ) الآية ؛ لأنّ الأعمى لا يهتدي ولا يهدي غيره ، فمعنى فعميت عليكم البيّنة : فلم تهدكم كما لو عمي على القوم دليلهم في المفازة بقوا بغير هاد.
وقيل : هذا من باب القلب ، وأصلها فعميتم أنتم عنها كما تقول : أدخلت القلنسوة في رأسي ، وأدخلت الخاتم في إصبعي ، وهو كثير ، وقد تقدّم الخلاف فيه ، وأنشدوا على ذلك : [الطويل]
٢٩٦٢ ـ ترى النّور فيها مدخل الظّلّ رأسه |
|
......... (٤) |
قال أبو علي : وهذا ممّا يقلب ، إذ ليس فيه إشكال ، وفي القرآن (فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ) [إبراهيم : ٤٧].
وبعضهم يخرّج البيت على الاتّساع في الظّرف.
وأمّا الآية ف «أخلف» يتعدّى لاثنين ، فأنت بالخيار : أن تضيف إلى أيّهما شئت فليس من باب القلب.
وقد ردّ بعضهم كون هذه الآية من باب المقلوب بأنه لو كان كذلك لتعدّى ب «عن» دون «على» ، ألا ترى أنك تقول : «عميت عن كذا» لا «على كذا».
__________________
(١) ينظر : الحجة ٤ / ٣٢١ وإعراب القراءات السبع ١ / ٢٧٩ وحجة القراءات ص (٣٣٩) والإتحاف ٢ / ١٢٤ والبحر المحيط ٥ / ٢١٧ والدر المصون ٤ / ٩٣.
(٢) وقرأ بها الأعمش أيضا ينظر : البحر المحيط ٥ / ٢١٧ والدر المصون ٤ / ٩٣.
(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ١٦٥ والبحر المحيط ٥ / ٢١٧ والدر المصون ٤ / ٩٣.
(٤) صدر بيت وعجزه :
وسائره باد إلى الشمس أجمع
ينظر : الكتاب ١ / ١٨١ وأمالي المرتضى ١ / ١٨١ والهمع ٢ / ١٢٣ والخزانة ٤ / ٢٣٥ وتأويل المشكل (١٩٤) والدرر ٢ / ١٥٦ وروح المعاني ١٢ / ٣٩ والبحر المحيط ٥ / ٢١٦.