وهما اسما فاعلين من «أجرى وأرسى» ، وتخريجهما على أنهما بدلان من اسم الله.
قال ابن عطيّة وأبو البقاء ، ومكي : إنّهما نعتان لله ـ تعالى ـ ، وهذا الذي ذكروه إنّما يتمّ على تقدير كونهما معرفتين بتمحض الإضافة ، وقال الخليل : «إنّ كلّ إضافة غير محضة قد تجعل محضة إلّا إضافة الصفة المشبهة ، فلا تتمحّض».
وقال مكي : «ولو جعلت «مجراها» ، و «مرساها» في موضع اسم الفاعل لكانت حالا مقدرة ، ولجاز ذلك وكانت في موضع نصب على الحال من اسم الله تعالى».
والرّسوّ : الثّبات ، والاستقرار ، يقال : رسا يرسو وأرسيته أنا ؛ قال : [الكامل]
٢٩٧٠ ـ فصبرت نفسا عند ذلك حرّة |
|
ترسو إذا نفس الجبان تطلّع (١) |
أي : تثبت وتستقرّ عند ما تضطرب وتتحرك نفس الجبان.
قوله : (إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) فيه سؤال ، وهو إن كان ذلك وقت إظهار الضر ، فكيف يليق به هذا الذكر؟.
والجواب : لعل القوم الذين ركبوا السّفينة اعتقدوا في أنفسهم أنّا إنّما نجونا ببركة علمنا فالله تعالى نبّههم بهذا الكلام لازالة ذلك العجب ، فإنّ الإنسان لا ينفكّ من أنواع الزلات وظلمات الشبهات ، وفي جميع الأحوال ، فهو محتاج إلى إعانة الله ، وفضله ، وإحسانه ، وأن يكون غفورا لذنوبه رحيما لعقوبته.
قوله : (وَهِيَ تَجْرِي) في هذه الجملة ، ثلاثة أوجه :
أحدها : أنّها مستأنفة ، أخبر الله تعالى عن السفينة بذلك.
والثاني : أنّها في محلّ نصب على الحال من الضّمير المستتر في (بِسْمِ اللهِ) أي : جريانها استقرّ بسم الله حال كونها جارية.
الثالث : أنّها حال من شيء محذوف تضمّنته جملة دلّ عليها سياق الكلام.
قال الزمخشريّ : فإن قلت : بم اتّصل قوله : (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ)؟ قلت : بمحذوف دلّ عليه قوله : (ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ) كأنّه قيل : فركبوا فيها يقولون : «بسم الله وهي تجري بهم».
وقوله «بهم» يجوز فيه وجهان :
أحدهما : أن يتعلّق ب «تجري».
__________________
(١) البيت لعنترة. ورواية الديوان (٤٩) :
فصبرت عارفة لذلك حرة
ينظر : البحر المحيط ٥ / ٢٢٤ واللسان (صبر) وروح المعاني ١٢ / ٥٧ والتهذيب ٢ / ٣٤٤ والدر المصون ٤ / ١٠٠.