وهو كلام مشكل في نفسه ، وأين الهمزة هنا؟ إن عنى همزة النّداء ، فلا نسلّم أنّ المقدّر من حروف النّداء هو الهمزة ؛ لأنّ النّحاة نصّوا على أنّه لا يضمر من حروف النّداء إلّا «يا» لأنّها أم الباب.
وقوله : «الترثّي» هو قريب في المعنى من الندبة.
وقد نصوا على أنّه لا يجوز حذف [حرف] النداء من المندوب ، وهذا شبيه به.
وقرأ عليّ ـ كرم الله وجهه (١) ـ : «ابنها» إضافة إلى امرأته كأنه اعتبر قوله : (لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) ، وقوله : «ابني» و (مِنْ أَهْلِي) [هود : ٤٥] لا يدل له لاحتمال أن يكون ذلك لأجل الحنوّ ، وهو قول الحسن ، وجماعة.
وقرأ محمد بن عليّ (٢) ، وعروة بن الزبير : «ابنه» بهاء مفتوحة دون ألف ، وهي كالقراءة قبلها ، إلّا أنه حذف ألف «ها» مجتزئا عنها بالفتحة ، كما تحذف الياء مجتزأ عنها بالكسرة ، قال ابن عطيّة : «هي لغة» ؛ وأنشد : [البسيط]
٢٩٧٣ ـ إمّا تقود بها شاة فتأكلها |
|
أو أن تبيعه في بعض الأراكيب (٣) |
يريد : «تبيعها» فاجتزأ بالفتحة عن الألف ، كما اجتزأ الآخر عنها في قوله : ـ أنشده ابن الأعرابي على ذلك ـ : [الوافر]
٢٩٧٤ ـ فلست براجع ما فات منّي |
|
بلهف ، ولا بليت ، ولا لو انّي (٤) |
يريد : «يا لهفا» فحذف ، وهذا يخصّه بعضهم بالضرورة ، ويمنع في السّعة : «يا غلام» في : يا غلاما.
وسيأتي في نحو (يا أَبَتِ) [يوسف : ٤] بالفتح : هل ثمّ ألف محذوفة أم لا؟ وتقدّم خلاف في نحو : يا ابن أمّ ، ويا ابن عمّ : هل ثمّ ألف محذوفة مجتزأ عنها بالفتحة أم لا؟ فهذا أيضا كذلك ، ولكن الظّاهر عدم اقتياسه ، وقد خطّأ النّحاس أبا حاتم في حذف هذه الألف ، وفيه نظر.
قوله : (وَكانَ فِي مَعْزِلٍ) جملة في موضع نصب على الحال ، وصاحبها هو «ابنه» والحال تأتي من المنادى لأنّه مفعول به.
والمعزل ـ بكسر الزاي ـ اسم مكان العزلة ، وكذلك اسم الزمان أيضا ، وبالفتح هو
__________________
(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٣٩٦ ، والدر المصون ٤ / ١٠٠.
(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ٣٩٦ ، المحرر الوجيز ٣ / ١٧٣ ، البحر المحيط ٥ / ٢٢٧ ، الدر المصون ٤ / ١٠٠.
(٣) ينظر البيت في خزانة الأدب ٥ / ٢٧٣٢ ورصف المباني ص ١٥ وسر صناعة الإعراب ص ١٢٧ وشرح شواهد الشافية ص ٢٤٠ واللسان (ركب) وروح المعاني ١٢ / ٥٨ والبحر المحيط ٥ / ٢٢٦ والدر المصون ٤ / ١٠٠.
(٤) تقدم.