«أبلغتكم» ولا يجوز أن يدعى فيه الالتفات ، إذ هو ركاكة في التركيب ، وقد جوز ذلك ابن عطية فقال : «ويحتمل أن يكون «تولوا» ماضيا ، ويجيء في الكلام رجوع من غيبة إلى خطاب».
قال شهاب الدين (١) : «ويجوز أن يكون ماضيا لكن لمدرك آخر غير الالتفات : وهو أن يكون على إضمار القول ، أي : فقل لهم : قد أبلغتكم ، ويترجح كونه بقراءة عيسى الثقفي والأعرج (فَإِنْ تَوَلَّوْا) بضم التاء واللام ، مضارع «ولى» ، والأصل : توليوا فأعل.
وقال الزمخشري (٢) : «فإن قلت : الإبلاغ كان قبل التولي ، فكيف وقع جزاء للشرط؟.
قلت : معناه ، وإن تتولوا لم أعاتب على تفريط في الإبلاغ ، وكنتم محجوجين بأن ما أرسلت به إليكم قد بلغكم فأبيتم إلا التكذيب».
قوله : (وَيَسْتَخْلِفُ) العامة على رفعه استئنافا. وقال أبو البقاء (٣) : هو معطوف على الجواب بالفاء. وقرأ عبد الله بن مسعود (٤) ـ رضي الله عنه ـ بتسكينه ، وفيه وجهان :
أحدهما : أن يكون سكن تخفيفا لتوالي الحركات.
والثاني : أن يكون مجزوما عطفا على الجواب المقترن بالفاء ، إذ محله الجزم وهو نظير قوله : (فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ) [الأعراف : ١٨٦] وقد تقدم تحقيقه ، إلا أن القراءتين ثم في المتواتر.
والمعنى : إن تتولوا أهلككم الله ، ويستبدل قوما غيركم أطوع منكم يوحدونه ويعبدونه.
قوله : (وَلا تَضُرُّونَهُ) العامة : على النون ؛ لأنه مرفوع على ما تقدم ، وابن مسعود بحذفها (٥) ، وهذا يعين أن يكون سكون «يستخلف» جزما ولذلك لم يذكر الزمخشري غيره ؛ لأنه ذكر جزم الفاعلين ، ولما لم يذكر أبو البقاء الجزم في «تضرونه» جوز الوجهين في «يستخلف». و «شيئا» مصدر ، أي : شيئا من الضرر.
والمعنى : أن إهلاككم لا ينقص من ملكه شيئا ، لأن وجودكم وعدمكم عنده سواء.
وقيل : لا تضرونه شيئا بتوليكم وإعراضكم ، إنما تضرون أنفسكم (إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِ
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٤ / ١٠٨.
(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ٤٠٤.
(٣) ينظر : الإملا ٢ / ٤١.
(٤) ينظر : الكشاف ٢ / ٤٠٤ ورويت عن عاصم هكذا في المحرر الوجيز ٣ / ١٨٢ والبحر المحيط ٥ / ٢٣٤ وينظر : الدر المصون ٤ / ١٠٨.
(٥) ينظر : الكشاف ٢ / ٤٠٤ والبحر المحيط ٥ / ٢٣٤ والدر المصون ٤ / ١٠٨.