أسامة ، فقال : أحسنتم وأجملتم ، كذا فاصنعوا ، فلا نريد تغيير ما أمر به رسول اللهصلىاللهعليهوسلم (١) قال الحسن : «كانت السّقاية بنبيذ الزبيب» (٢).
وعن عمر أنه وجد نبيذ السقاية من الزبيب شديدا ، فكسر منه بالماء ثلاثا ، وقال : إذا اشتد عليكم فاكسروا منه بالماء. وأمّا عمارة المسجد الحرام فهي تجهيزه وتحسين صورة جدرانه (٣).
قوله (لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ) في الجملة وجهان :
أظهرهما : أنّها مستأنفة ، أخبر تعالى بعدم تساوي الفريقين.
والثاني : أن يكون حالا من المفعولين للجعل ، والتقدير : سوّيتم بينهم في حال تفاوتهم ، ولمّا نفى المساواة بينهما ، وذلك لا يفيد من هو الرّاجح ؛ فنبّه على الرّاجح بقوله (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) أي : إنّ الكافرين ظلموا أنفسهم ، لأنهم تركوا الإيمان ، ورضوا بالكفر فكانوا ظالمين ، لأنّ الظّلم عبارة عن وضع الشيء في غير موضعه ، وأيضا ظلموا المسجد الحرام ، فإنّه تعالى جعله موضعا لعبادة الله تعالى ، فجعلوه موضعا لعبادة الأوثان.
قوله تعالى (الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) الآية.
لمّا ذكر ترجيح الإيمان ، والجهاد على السّقاية وعمارة المسجد الحرام على طريق الرمز ؛ أتبعه بذكر هذا التّرجيح بالتّصريح ، أي : من كان موصوفا بهذه الصّفات الأربعة كان أعظم درجة عند الله ممّن اتّصف بالسّقاية والعمارة ، والسّبب فيه ؛ لأن الإنسان ليس له إلّا الروح ، والبدن ، والمال ، فأمّا الرّوح فإنه لمّا زال عنه الكفر ، وحصل فيه الإيمان ، فقد وصل إلى مراتب السعادات وأما البدن والمال ، فبالهجرة والجهاد صارا معرّضين للهلاك ، ولا شكّ أنّ النفس والمال محبوب الإنسان ، والإنسان لا يعرض عن محبوبه إلّا عند الفوز بمحبوب أكمل من الأوّل ، فلو لا أنّ طلب الرضوان أتمّ عندهم من النفس والمال ؛ وإلّا لما رجّحوا جانب الآخرة على النفس والمال طلبا لمرضاة الله تعالى ، وأي مناسبة بين هذه الدرجة وبين الإقدام على السّقاية والعمارة بمجرد الاقتداء بالآباء ، وطلب الرياسة والسّمعة؟.
قوله (أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ) لم يقل : أعظم درجة من المشتغلين بالسقاية والعمارة ؛ لأنّه لو ذكرهم ، أوهم أن تلك الفضيلة بالنسبة إليهم ، فلمّا ترك ذكر المرجوح ، دلّ ذلك على أنّهم أفضل من كل من سواهم على الإطلاق.
__________________
(١) أخرجه مسلم (٢ / ٩٥٣) كتاب الحج : باب وجوب المبيت بمنى ليالي أيام التشريق والترخيص في تركه لأهل السقاية (٣٤٧ ـ ١٣١٦).
(٢) ذكره الرازي في «التفسير الكبير» (١٦ / ١١) عن الحسن.
(٣) انظر المصدر السابق.