فالجواب : إذا وصفت جاز ، فإذا قلت : «سلام عليكم» فالتّنكير هنا يدلّ على الكمال والتّمام ، فكأنه سلام كامل تام عليك ، ونظيره قوله تعالى : (سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي) [مريم : ٤٧] وقوله : (سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) [يس : ٥٨] وقوله : (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) [الرعد : ٢٣ ، ٢٤].
وأما قوله : (وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى) [طه : ٤٧] فالمراد منه الماهية والحقيقة.
قال ابن الخطيب : قوله : «سلام عليكم» أكمل من قوله : «السّلام عليكم» ؛ لأنّ التّنكير يفيد المبالغة والتّمام ، والتعريف لا يفيد إلّا الماهية.
قوله : (فَما لَبِثَ) يجوز في «ما» هذه ثلاثة أوجه :
أظهرها : أنّها نافية ، وفي فاعل «لبث» حينئذ وجهان :
أحدهما : أنّه ضمير إبراهيم ـ عليه الصلاة والسّلام ـ أي : فما لبث إبراهيم ، وإن جاء على إسقاط الخافض ، فقدّروه بالباء وب «عن» وب «في» ، أي : فما تأخّر في أن ، أو بأن ، أو عن أن.
والثاني : أنّ الفاعل قوله : (أَنْ جاءَ) ، والتقدير : فما لبث ، أي : ما أبطأ ولا تأخّر مجيئه بعجل سمين.
وثاني الأوجه : أنّها مصدرية.
وثالثها : أنّها بمعنى الذي. وهي في الوجهين الأخيرين مبتدأ ، وإن جاء خبره على حذف مضاف تقديره : فلبثه ـ أو الذي لبثه ـ قدر مجيئه.
قال القرطبيّ (١) : قوله : (أَنْ جاءَ) معناه : حتّى جاء.
والحنيذ : المشويّ بالرّضف في أخدود كفعل أهل البادية يشوون في حفرة من الأرض بالحجارة المحمّاة ، يقال : حنذت الشّاة أحنذها حنذا فهي حنيذ ، أي : محنوذة.
وقيل : حنيذ بمعنى يقطر دسمه من قولهم : حنذت الفرس ، أي : سقته شوطا أو شوطين وتضع عليه الجلّ في الشمس ليعرق.
ثم قال : (فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ) أي : إلى العجل. وقال الفرّاء : إلى الطّعام وهو العجل.
قوله : «نكرهم» أي : أنكرهم ، فهما بمعنى واحد ؛ وأنشدوا : [البسيط]
٢٩٨٧ ـ وأنكرتني وما كان الذي نكرت |
|
من الحوادث إلّا الشّيب والصّلعا (٢) |
__________________
(١) ينظر : تفسير القرطبي ٩ / ٤٣.
(٢) البيت للأعشى. ينظر : ديوانه (١٣٧) والمحتسب ٢ / ٢٩٨ والخصائص ٣ / ٣١٠ ومجاز القرآن ١ / ٢٩٣ ، والبحر المحيط ٥ / ٢٤٢ وروح المعاني ١٢ / ٩٠ والتهذيب ١٠ / ١٩١ وإعراب النحاس ٢ / ٢٩٢ والدر المصون ٤ / ١١٣ الموشح ٥٢ الصحاح [نكر] التاج [نكر] الأغاني ١٦ / ١٨.