من لغتي هذا الفعل فإنّه يقال : سرى ، ومنه (وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) [الفجر : ٤] ، وأسرى ، ومنه : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ) [الإسراء : ١] وهل هما بمعنى واحد أو بينهما فرق؟ خلاف فقيل : هما بمعنى واحد ، وهو قول أبي عبيد.
وقيل : أسرى لأول الليل ، وسرى لآخره ، وهو قول اللّيث ـ رحمهالله ـ وأمّا «سار» فمختص بالنّهار ، وليس مقلوبا من «سرى».
فإن قيل «السّرى» لا يكون إلّا بالليل ، فما الفائدة في قوله : (بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ)؟.
فالجواب : أنّه لو لم يقل (بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ) جاز أن يكون أوّله.
قوله : «بأهلك» يجوز أن تكون الباء للتّعدية ، وأن تكون للحال أي : مصاحبا لهم.
وقوله : «بقطع» حال من «أهلك» أي : مصاحبين لقطع ، على أنّ المراد به الظلمة وقيل : الباء بمعنى «في».
والقطع : نصف اللّيل ؛ لأنّه قطعة منه مساوية لباقيه ؛ وأنشد : [الوافر]
٣٠٠٥ ـ ونائحة تنوح بقطع ليل |
|
على رجل بقارعة الصّعيد (١) |
وقال نافع بن الأزرق لعبد الله بن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ : أخبرني عن قول الله ـ عزوجل ـ (بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ) قال : هو آخر الليل سحر (٢) وقال قتادة : بعد طائفة من اللّيل(٣).
وتقدم في سورة يونس.
ثم قال : (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ) في الالتفات وجهان :
أحدهما : نظر الإنسان إلى ما وراءه ، فيكون المراد أنه كان لهم في البلد أموال نهوا عن الالتفات إليها.
والثاني : أنّ المراد بالالتفات الانصراف ؛ كقوله تعالى : (أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا) [يونس : ٧٨] أي : لتصرفنا والمراد نهيهم عن التّخلّف.
قوله : (إِلَّا امْرَأَتَكَ) قرأ ابن كثير (٤) ، وأبو عمرو برفع «امرأتك» والباقون بنصبها. وفي هذه الآية كلام كثير. أمّا قراءة الرّفع ففيها وجهان :
أشهرهما ـ عند المعربين ـ أنّه على البدل من «أحد» وهو أحسن من النّصب ، لأنّ الكلام غير موجب.
__________________
(١) البيت لمالك بن كنانة. ينظر : البحر المحيط ٥ / ٢٤٨ والقرطبي ٩ / ٥٤ وروح المعاني ١٢ / ١٠٩ والدر المصون ٤ / ١١٩.
(٢) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٦٢٣) وعزاه إلى ابن الأنباري في الوقف والابتداء عن ابن عباس.
(٣) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٦٢٣) وعزاه إلى عبد الرزاق.
(٤) ينظر : الحجة ٤ / ٣٦٩ وإعراب القراءات السبع ١ / ٢٩٢ وحجة القراءات ٣٤٧ والإتحاف ٢ / ١٣٣ والمحرر الوجيز ٣ / ١٩٦ ، والبحر المحيط ٥ / ٢٤٨ والدر المصون ٤ / ١١٩.