طاعة الله خير لكم من ذلك القدر القليل ؛ لأنّ منفعة الطّاعة تبقى أبدا (١).
قوله : (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) قال ابن عطيّة ـ رحمهالله ـ : «وجواب هذا الشّرط متقدّم» يعنى : على مذهب من يراه لا على مذهب جمهور البصريّين.
وإنّما شرط الإيمان لكونه خيرا لهم ؛ لأنهم إن كانوا مؤمنين مقرّين بالثّواب والعقاب عرفوا أنّ السّعي في تحصيل الثّواب وفي الحذر من العقاب خير لهم من السّعي في تحصيل ذلك القليل.
والمعلق بالشرط عدم عند عدم الشرط ؛ فدلّ ظاهر الآية على أنّ من لم يحترز عن هذا التطفيف لا يكون مؤمنا.
قوله : (وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) أي : إنّي نصحتكم ، وأرشدتكم إلى الخير ، وما عليّ منعكم من هذا الفعل القبيح. وقيل : لمّا قال لهم : إنّ البخس والتطفيف يزيل النعم عنكم ، وأنا لا أقدر على حفظها عليكم في تلك الحالة ؛ قالوا له : (أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا) قرأ حمزة والكسائيّ وحفص عن عاصم «أصلاتك» بغير واو. والباقون (٢) بالواو على الجمع.
قوله : (أَوْ أَنْ نَفْعَلَ) العامّة على نون الجماعة ، أو التعظيم في «نفعل» و «نشاء».
وقرأ زيد بن عليّ ، وابن أبي عبلة والضحاك (٣) بن قيس بتاء الخطاب فيهما. وقرأ أبو عبد الرحمن (٤) وطلحة الأول بالنون والثاني بالتاء ، فمن قرأ بالنون فيهما عطفه على مفعول «نترك» وهو «ما» الموصولة ، والتقدير : أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا ، أو أن نترك أن نفعل في أموالنا ما نشاء ، وهو بخس الكيل والوزن المقدّم ذكرهما. و «أو» للتنويع أو بمعنى الواو ، قولان ، ولا يجوز عطفه على مفعول «تأمرك» ؛ لأنّ المعنى يتغيّر ، إذ يصير التقدير : أصلواتك تأمرك أن تفعل في أموالنا.
ومن قرأ بالتاء فيهما جاز أن يكون معطوفا على مفعول «تأمرك» ، وأن يكون معطوفا على مفعول «نترك» ، والتقدير : أصلواتك تأمرك أن تفعل أنت في أموالنا ما تشاء أنت ، أو أن نترك ما يعبد آباؤنا ، أو أن نترك أن تفعل أنت في أموالنا ما تشاء أنت.
ومن قرأ بالنّون في الأوّل وبالتّاء في الثاني كان : «أن تفعل» معطوفا على مفعول : «تأمرك» فقد صار ذلك ثلاثة أقسام ، قسم يتعيّن فيه العطف على مفعول : «نترك» وهي
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٩٩) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٦٢٦) وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن مجاهد.
(٢) ينظر : الحجة ٣٤٨ والإتحاف ٢ / ١٣٤ وقرأ بها أيضا ابن وثاب ينظر : البحر المحيط ٥ / ٢٥٤.
(٣) ينظر : الكشاف ٢ / ٤١٩ ، والمحرر الوجيز ٣ / ٢٠٠ والبحر المحيط ٥ / ٢٥٤ والدر المصون ٤ / ١٢٣.
(٤) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٢٠٠ والبحر المحيط ٥ / ٢٥٤ والدر المصون ٤ / ١٢٣.