(مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ) من الغرق ، وقوم هود من الريح ، وقوم صالح من الصّيحة والرّجفة ، وقوم لوط من الخسف.
قوله : (وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ) أتى ب «بعيد» مفردا وإن كان خبرا عن جمع لأحد أوجه : إمّا لحذف مضاف تقديره : وما إهلاك قوم ، وإمّا باعتبار زمان ، أي : بزمان بعيد ، فإنّ إهلاك قوم لوط أقرب الإهلاكات التي عرفها النّاس في زمان شعيب ، وإمّا باعتبار مكان ، أي : بمكان بعيد ؛ لأنّ بلاد قوم لوط قريبة من مدين ، وإمّا باعتبار موصوف غيرهما ، أي : بشيء بعيد ، كذا قدّره الزمخشريّ ، وتبعه أبو حيّان ، وفيه إشكال من حيث إنّ تقديره بزمان يلزم منه الإخبار بالزّمان عن الجثّة. وقال الزمخشريّ أيضا ويجوز أن يسوّي في «قريب» و «بعيد» و «قليل» و «كثير» بين المذكّر والمؤنّث لورودها على زنة المصادر التي هي كالصّهيل ، والنّهيق ونحوهما.
ثم قال : (وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ) أي : من عبادة الأوثان ، ثمّ توبوا إلى الله ـ عزوجل ـ من البخس والنّقصان (إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ) بأوليائه : «ودود» الودود : بناء مبالغة من ودّ الشيء يودّه ودّا ، وودادا ، وودادة وودادة أي : أحبّه وآثره.
والمشهور «وددت» بكسر العين ، وسمع الكسائي «وددت» بفتحها ، والودود بمعنى فاعل أي : يودّ عباده ويرحمهم.
وقيل : بمعنى مفعول بمعنى أنّ عباده يحبّونه ويوادّون أولياءه ، فهم بمنزلة «الموادّ» مجازا.
قال ابن الأنباري : الودود ـ في أسماء الله تعالى ـ المحبّ لعباده ، من قولهم : وددت الرّجل أودّه.
قال الأزهريّ (١) ـ في «شرح كتاب أسماء الله الحسنى» ـ : ويجوز أن يكون «ودودا» فعولا بمعنى مفعول ، أي : إنّ عباده الصّالحين يودونه لكثرة إفضاله وإحسانه على الخلق.
قال ابن الخطيب (٢) : واعلم أنّ هذا التّرتيب الذي راعاه شعيب في ذكر هذه الوجوه الخمسة ترتيب لطيف.
لأنّه ذكر أولا أنّ ظهور البيّنة له وكثرة الإنعام عليه في الظّاهر والباطن يمنعه من الخيانة في وحي الله ، ويصده عن التّهاون في تبليغه.
ثم بيّن ثانيا أنّه مواظب على العمل بهذه الدّعوة ، ولو كانت باطلة لما اشتغل هو بها مع اعترافهم بكونه حليما رشيدا.
ثم بيّن صحته بطريق آخر ، وهو أنّه كان معروفا بتحصيل موجبات الصلح ،
__________________
(١) ينظر : تهذيب اللغة ١٤ / ٤٣٤.
(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ١٧ / ٣٩.